روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «يا معاذ ، أتحبّ أن يقضى الله عنك دينك؟» قال : نعم يا رسول الله ، قال : «قل» (اللهم مالك الملك) إلى قوله : (بغير حساب) ، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطى منهما ما تشاء ، وتمنع منهما ما تشاء ، اقض عنى دينى ، فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا وفضة لأدّاه الله عنك».
وروى عن على رضي الله عنه أنه قال : الفاتحة ، وآية الكرسي ، و (شهد الله) ، و (قل اللهم مالك الملك ...) إلى (... بغير حساب) ، لمّا أراد الله أن ينزلهن ، تعلقن بالعرش وقلن : تهبطنا إلى دار الذنوب فقال الله عزوجل : وعزتى وجلالى لا يقرؤكن عبد ، دبر كل صلاة مكتوبة ، إلا أسكنته حظيرة القدس ، على ما كان فيه ، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة فى كل يوم سبعين نظرة ، وقضييت له فى كل يوم سبعين حاجة ، وأعززته من كل عدو ، نصرته عليه ...» الحديث (١). انظر الثعلبي.
الإشارة : من ملك نفسه وهواه فقد ملكه الله ملك الدارين ، ومن ملكته نفسه وهواه فقد أذله الله فى الدارين ، ومن ملك نفسه لله فقد مكنه الله من التصرف فى الكون بأسره ، وكان حرا حقيقة ، وفى ذلك يقول الشاعر :
دعونى لملكهم ، فلمّا أجبتهم |
|
قالوا : دعوناك للملك لا للملك |
ومن أذلّ نفسه لله فقد أعزه الله ، قال الشاعر :
تذلّلّ لمن تهوى لتكسب عزّة |
|
فكم عزّة قد نالها المرء بالذّلّ |
إذا كان من تهوى عزيزا ولم تكن |
|
ذليلا له ، فأقر السّلام على الوصل |
قال ابن المبارك : (قلت لسفيان الثوري : من الناس؟ قال : الفقهاء ، قلت : فمن الملوك؟ قال : الزهاد ، قلت : فمن الأشراف؟ قال : الأتقياء ، قلت فمن الغوغاء؟ قال : الذين يكتبون الحديث ليستأكلوا به أموال الناس ، قلت : أخبرنى ما السفلة؟ قال : الظلمة.) وقال الشبلي : (الملك هو الاستغناء بالمكون عن الكونين). وقال الوراق : (تعز من تشاء بقهر النفس ومخالفة الهوى ، وتذل من تشاء باتباع الهوى). قلت : وفى ذلك يقول البرعى رضي الله عنه :
لا تتبع النّفس فى هواها |
|
إنّ اتّباع الهوى هوان |
وقال وهب : «خرج الغنى والعز يجولان ، فلقيا القناعة فاستقرا». وقال عيسى عليهالسلام لأصحابه : أنتم أغنى من الملوك ، قالوا : يا روح الله ؛ كيف ، ولسنا نملك شيئا؟ قال : أنتم ليس عندكم شىء ولا تريدونها ، وهم عندهم أشياء ولا تكفيهم ه.
__________________
(١) الحديث : أخرجه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة. عن سيدنا على مرفوعا وفى سنده الحارث بن عمير البصري. قال ابن حبان : يروى عن الأثبات الموضوعات ، وأورد له الذهبي هذا الحديث على سبيل الإنكار.