المسلمون ، وكانوا
ثلاثمائة وأربعة عشر ، والمشركون كانوا زهاء ألف ، (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي
سَبِيلِ اللهِ) وهم المؤمنون ، (وَأُخْرى كافِرَةٌ) ، وهم المشركون ، (يَرَوْنَهُمْ
مِثْلَيْهِمْ) أي : ترون ، يا معشر اليهود ، الكفار مثلى عدد المسلمين
رأى تحقيق ، ومع ذلك أيدهم الله بالنصر والمدد حتى نصرهم على عدوهم ، وكذلك يفعل
بهم معكم.
والرؤية ، على هذا
، علمية. ومن قرأ (بالياء) يكون الضمير راجعا للكفار ، أي : يرى الكفار المسلمين
مثليهم ، وذلك بعد أن قللهم الله فى أعينهم حتى اجترءوا عليهم ، وتوجهوا إليهم ،
فلما لاقوهم كثروا فى أعينهم حتى غلبوا ، مددا من الله للمؤمنين.
أو : يرى المؤمنون
المشركين مثلى المؤمنين ، وكانوا ثلاثة أمثالهم ، ليثبتوا لهم ، ويتيقنوا بالنصر
الذي وعدهم الله بقوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ...) الآية. (وَاللهُ يُؤَيِّدُ) أي : يقوى (بِنَصْرِهِ مَنْ
يَشاءُ) نصره ، كما أيد أهل بدر ، (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) المفتوحة. وذلك حين نصر الله قوما لا عدد لهم ولا عدة ،
على قوم لهم عدد وعدة ، فلم تغن عنهم من الله شيئا.
الإشارة
: إذا توجه القلب
إلى مولاه تعرض له جندان ، أحدهما : جند الأنوار ، وهو جند القلب ، والثاني : جند
الأغيار ، وهو جند النفس ، فيلتحم بينهما القتال ، فجند الأنوار يريد أن يرتقى
بالروح إلى وطنها ؛ وهو حضرة الأسرار ، وجند الأغيار يريد أن يهبط بالنفس إلى أرض
الحظوظ والشهوات ، فيحبسها فى سجن الأكوان ، فإذا أراد الله تعالى سعادة عبد ، قوى
له جند الأنوار ، وضعّف عنه جند الأغيار ، فينهزم عنه جند الأغيار ، ويستولى على
قلبه جند الأنوار ، فلا تزال الأنوار تتوارد عليه حتى تشرق عليه أنوار المواجهة ،
فيدخل حضرة الأسرار ، وهى حضرة الشهود ، ويتحصن فى جوار الملك الودود ، وتناديه
ألسنة الهواتف : أيها العارف ، قل للذين كفروا ، وهم جند الأغيار : ستغلبون
وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد. وإذا أراد الله خذلان عبده ، بعدله ، قطع عنه مدد
الأنوار ، وقوى لديه جند الأغيار ، فتستولى ظلمة النفس على نور القلب ، فتحبسه فى
سجن الأكوان ، وتسجنه فى ظلمة هيكل الإنسان ، (والله يويد بنصره من يشاء). ففى
التقاء جندى الأنوار والأغيار عبرة لأولى الأبصار.
ثم بيّن الحق
تعالى مدد جند الأغيار ، والذي منع الأبصار من الاعتبار ، فقال :
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ
حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ
وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
(١٤))