الإشارة
: يقال للمريدين
المتجردين إذا طلقتم الدنيا ، وآيستم أنفسكم من الرجوع إليها حتى تمكّن اليقين من
القلب بحيث انقطع الاهتمام بالرزق من القلب ، وزالت عنه الشكوك والأوهام ، فإذا
رجعت إليه الدنيا ، فإما أن يمسكها بمعروف بأن تكون فى يده لا فى قلبه ، أو يسرحها
من يده ، بسبب مقام الإحسان الذي عوضه الله عنها ، ولا تمسكوا الدنيا ، أيها
الفقراء ، قبل كمال اليقين ، فإنها ضرر لكم ، فقد أخذت الرجال لا سيما الأطفال. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ) ؛ حيث حرمها الوصول ، وتركها فى حيرة الأوهام تجول ،
فاحذروا لذيذ عاجلها ، لكريه آجلها ، (وَلا تَتَّخِذُوا
آياتِ اللهِ هُزُواً) بالرخص والتأويلات ، (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللهِ عَلَيْكُمْ) بالهداية إلى الطريق ، (وَما أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ) : فيه بيان التحقيق (وَالْحِكْمَةِ) التي هى إصابة عين التوفيق ، (وَاتَّقُوا اللهَ) ، فلا تركنوا إلى شىء سواه ، فإن مالت قلوبكم إلى شىء من
السوي ، أو نزعت إلى محبة الهوى ، فاعلموا (أَنَّ اللهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيبعدكم بعد الوصول. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى
العظيم.
ثم نهى الحق تعالى
عن منع النساء من التزوج إضرارا ، فقال :
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ
وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢))
قلت
: العضل : المنع
والتضييق والتعسير ، يقال : أعضلت الدجاجة ، إذا عسر بيضها.
يقول
الحق جل جلاله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ) فانقضت عدتهن (فَلا) تمنعوهن ، أيها الأولياء ، من (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) الذين كانوا يملكوهن ثم طلقوا ، أو الخطّاب الأجانب ، (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ) أي : بأن كانوا أكفاء لهن ، وبذلوا من المهر ما يناسبهن ،
أو كانت رشيدة. (ذلِكَ) الذي ذكرنا لكم ـ يتعظ به ، ويقف معه ، من كان (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ؛ لأنه هو الذي ينجع فيه الوعظ وينتفع بالتذكير ، (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ) أي : أرفع لقدركم ، إن تمسكتم به ، (وَأَطْهَرُ) لكم من الذنوب والعيوب ، (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما فيه صلاحكم ، (وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ). نزلت الآية فى معقل بن يسار ، زوّج أخته ثم طلقها زوجها ،
وأمهلها حتى انقضت عدّتها ، ثم جاء يخطبها ، فقال معقل : تركها حتى ملكت نفسها ،
ثم جاء يخطبها ، والله لا أزوجها منه أبدا. والمرأة أرادت أن ترجع إليه ، فنزلت
الآية ، فرجع معقل عن قسمه وزوّجها.
وفيه دليل أن
المرأة لا تزوج نفسها ، خلافا لأبى حنيفة. والله تعالى أعلم.