مرّتان) فإمساك لها بمعروف بأن يواسى بها من يحتاج إليها ، أو تسريح لها من يده بإحسان من الله إليه ، حتى يدخله فى مقام الإحسان ، فإن طلقها مرة ثالثة فلا تحل له أبدا حتى يأخذها من يد الله بالله ، بعد أن كان يأخذها بنفسه ، فكأنه أخذها بعصمة جديدة ، فإن تمكن من الفناء والبقاء ، فلا جناح عليه أن يرجع إليها غنيا بالله عنها. والله تعالى أعلم.
ثم نهى الحق تعالى عن إمساك الزوجة ، إضرارا ، كما كانت تفعل الجاهلية ، فقال :
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١))
قلت : (ضرارا) : مفعول له ، أو حال ، أي : مضارّين.
يقول الحق جل جلاله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) فقرب بلوغ أجل عدّتهنّ (فَأَمْسِكُوهُنَ) بالرجعة متلبسين بالمعروف والإحسان إليها ، (أَوْ سَرِّحُوهُنَ) يتزوجن غيركم (بِمَعْرُوفٍ) لا إضرار فيه ، (وَلا تُمْسِكُوهُنَ) بنية طلاقهن (ضِراراً) أي : لأجل الضرر بتطويل عدتهن (لِتَعْتَدُوا) عليهن (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
نزلت فى رجل قال لامرأته : لا آويك ، ولا أدعك تحلّين لغيرى. فقالت : كيف؟ فقال : أطلقك ، فإذا دنا مضىّ عدّتك راجعتك ، فشكت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية. وكان بعضهم يطلق ، ويعتق ، ثم يرجع ، ويقول : كنت أهزأ بذلك وألعب ، فنزل قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) أي : مهزوءا بها ، وفى الحديث : «ثلاث هزلهنّ جد : النّكاح ، والطّلاق ، والرّجعة». (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالهداية وبعثة الرسول ، (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ) فيه ما تحتاجون إليه ظاهرا وباطنا ، (وَالْحِكْمَةِ) أي : السنة المطهرة ، (يَعِظُكُمْ) بذلك ويزكيكم ، (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما يأمركم به ، وينهاكم عنه ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ؛ (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ).