ألا إنّما
الدنيا كأحلام نائم
|
|
وكلّ نعيم ليس
فيها بدائم
|
تذكّر إذا ما
نلت بالأمس لذّة
|
|
فأفنيتها هل أنت
إلا كحالم
|
وتتفكرون فى (الآخرة)
ودوام نعيمها ، وسعة فضائها ، وبهجة منظرها ؛ فترغبون فى الوصول إليها ، وتتأهبون
للقائها ، فتؤثرونها على هذه الدار الفانية. قال بعض الحكماء : لو كانت الدنيا من
ذهب يفنى ، والآخرة من طين يبقى ، لكان ينبغى للعاقل أن يختار ما يبقى على ما يفنى
، لا سيما والأمر بالعكس ، الدنيا من طين يفنى ، والآخرة من ذهب يبقى ، فلا يختار
هذه الدار إلّا أحمق خسيس الهمة ، وبالله التوفيق.
الإشارة
: كما نهى الحق جل
جلاله عن السرف فى الأموال ، ونهى عن السرف فى الأحوال ، فالسرف ، من حيث هو ،
يؤدى إلى الملل والانقطاع ، «أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه ، وإن قل» كما
فى الحديث ، والله ما رأينا أحدا أسرف فى الأحوال إلا ملّ ، وضعف حاله ، وفى الحديث
: «لا يكن أحدكم كالمنبت ـ أي : المنقطع ـ لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى». وقال فى
المباحث :
فاحتل على النفس
فربّ حيله
|
|
أنفع فى النّصرة
من قبيله
|
فلا يزال يسايس
نفسه شيئا فشيئا حتى يملكها ، ويظفر بها ، فإذا ظفر بها كانت له شبكة يصطاد بها
العلوم والمعارف ، فتتفكر فى الدنيا فتراها فانية فترحل عنها ، ثم تتفكر فى الآخرة
فتراها باقية ، فإذا رامت السّكنى فيها رأتها كونا مخلوقا فرحلت إلى خالقها ، فكشف
الحق عنها الحجاب ، وأدخلها مع الأحباب ، فغابت عن الكونين فى شهود المكون ، فلم
يبق لها دنيا ولا آخرة ، بل هى الآن فى بهجة ونضرة (إلى ربها ناظرة) ، حققنا الله
بهذا المقام العلى. آمين.
ثم سألوا أيضا عن
مخالطة اليتامى ، فأجابهم الحق تعالى بقوله :
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن
تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ
الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))
قلت
: العنت : التعب
والمشقة ، أعنتكم : أتعبكم.
يقول
الحق جل جلاله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ) مخالطة (الْيَتامى) أي : خلط مال اليتامى بمال الوصىّ ، أو القائم به ،
فيأكلون جميعا ، (قُلْ) لهم : يفعلون ما هو (إِصْلاحٌ) لليتيم وأحفظ لماله ، فإن كان خلط مال اليتيم مع