التخيير والرد على الجاهلية ، فإنّ منهم من أثّم المتعجل ، ومنهم من أثّم المتأخر. هذا كله (لِمَنِ اتَّقى) الله فى حجه ، فلم يرفث ، ولم يفسق ، فإنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، كما قال الصادق المصدوق ، (وَاتَّقُوا اللهَ) فى جميع أموركم ، فإنه ذكر وشرف لكم ، (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فتجازون على ما أسلفتم من خير أو شر.
الإشارة : الأيام المعدودات هى أيام الدنيا ؛ فإنها قلائل معدودة ، وهى كلها كيوم واحد ، وأيام البرزخ يوم ثان ، وأيام البعث وما بعده يوم ثالث ، فمن تعجل فى يومين ، بحيث طوى فى نظره أيام الدنيا وأيام البرزخ ، وسكن بقلبه فى يوم القيامة فلا إثم عليه ، وهذا هو صاحب الهمة المتوسطة ، ومن تأخر حتى زهد فى الأيام الثلاثة ، وعلق همته بمولاه ، ولم يلتفت إلى ما سواه ، فلا إثم عليه فى ذلك التأخر ، إن اتقى شهود السوي ، وعلق همته بمحبة المولى ، ثم حض سبحانه على هذه التقوى فقال : (واتقوا الله) فلا تشهدوا معه سواه ، (واعلموا أنكم إليه تحشرون) فتروا ما فاز به المتقون.
ولمّا أمر الحق سبحانه عباده بالتقوى ذكر من لم يرفع بذلك رأسا واتبع هواه ، ومن امتثل أمره وباع نفسه لله فقال :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧))
قلت : نزلت الآية فى الأخنس بن شريق الثقفي وصهيب بن سنان الرومي ، أما الأخنس فكان رجلا حسن المنظر ، حلو المنطق ، كان يوالى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويدّعى الإسلام ، ثم ارتد ، ومرّ على زرع وحمر للمسلمين فقتلها وأفسد الزرع ، قال ابن عطية : ولم يثبت أنه أسلم. قلت : بل ذكره فى القاموس من الصحابة ، فانظره ، ولعله تاب بعد نزول الآية. وأما صهيب الرومي فأخذه المشركون وعذبوه ليرتد ، فقال لهم : إنى شيخ كبير ؛ لا أنفعكم إن كنت معكم ، ولا أضركم إن كنت عليكم ، فخلونى وما أنا عليه ، وخذوا مالى ، فقبلوه منه ، وأتى المدينة فلما رآه صلىاللهعليهوسلم قال له : «ربحت يا أبا يحيى».