(أُولئِكَ) الذين طلبوا خير الدارين (لَهُمْ نَصِيبٌ) وحظّ من الجزاء الوافر من أجل ما كسبوا من الأعمال الصالحات ، (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب عباده على كثرتهم ، وكثرة أعمالهم ، فى مقدار لمحة. قيل لعلىّ رضي الله عنه : كيف يحاسب الله عباده فى ساعة واحدة؟ فقال : كما يرزقهم فى ساعة واحدة. ه. أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب عباده) فبادروا إلى اغتنام الطاعات ، واكتساب الحسنات ، قبل هجوم الممات.
الإشارة : الناس ثلاثة : صاحب همة دنيّة ، وذو همة متوسطة ، وصاحب همة عالية ، أما صاحب الهمة الدنية فهو الذي أنزل همته على الدنيا الدنية ، وأكبّ على جمع حطامها الفانية ، فقلب هذا خال من حب الحبيب ، فما له فى الآخرة من نصيب. وأما صاحب الهمة المتوسطة فهو الذي طلب سلامة الدارين ، وصلاح الحالين ، قد اشتغل فى هذه الدار بما ينفعه فى دار القرار ، ولم ينس نصيبه من الدنيا ليقضى ما له فيها من الأوطار ، فهذا له فى الدنيا حسنة ، وهى الكفاية والغنى ، وفى الآخرة حسنة ، وهى النعمة والسرور والهنا.
وأما صاحب الهمة العالية فهو الذي رفع همته عن الكونين ، وأغمض طرفه عن الالتفات إلى الدارين ، بل علّق همته بمولاه ، ولم يقنع بشىء سواه ، قد ولى عن هذه الدار مغضيا ، وأعرض عنها موليا ، ولم يشغله عن الله شىء ، يقول بلسان المقال إظهارا لعبوديته للكبير المتعال : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) وهى النظرة والشهود ، ورضا الملك الودود ، (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) وهى اللحوق بأهل الرفيق الأعلى ، من المقربين والأنبياء ، فى حضرة الشهود المؤبد (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ). أتحفنا الله من ذلك بحظّ وافر ، بمنّه وكرمه ، نحن وأحباءنا أجمعين ، آمين.
ثم تمّم الحق تعالى ما بقي من مناسك الحج ؛ وهى رمى الجمار أيام منى ، فقال :
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣))
يقول الحق جل جلاله : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) وهى ثانى النّحر وثالثه ورابعه ، وهى أيام التشريق وأيام منى ، وأما الأيام المعلومات فهى يوم النحر وثانيه وثالثه. والمراد بالذكر : التكبير عند الرمي ، وذبح القرابين ، وخلف الصلوات الخمس ، وغير ذلك ، (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) بحيث رمى ثانى النحر وثالثه ، ورجع ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ) لرمى رابع النحر ، وهو ثالث أيام منى ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، والقصد بنفي الإثم :