لكن لا يغفل عن التقوى ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام : «أنا أعرفكم بالله ، وأنا أتقاكم له». وقالوا : «من علامة النهايات الرجوع إلى البدايات». والله تعالى أعلم.
ثم ذكر الحق تعالى ميقات الحج الزمانى ، فقال :
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧))
قلت : (الحج) : مبتدأ ، على حذف مضاف ، أي : إحرام الحج أو فعل الحج ، و (أشهر) : خبر ، وإذا وقع الزمان خبرا عن اسم معنى ؛ فإن كان ذلك المعنى واقعا فى كل ذلك الزمان أو جلّه ؛ تعيّن رفعه عند الكوفيين ، وترجح عند البصريين إذا كان الزمان نكرة ، نحو : السفر يوم. إن كان السفر واقعا فى جميع ذلك اليوم أو فى جلّه ؛ لأنه باستغراقه إياه صار كأنه هو ، ويصح : السفر يوما ، أو فى يوم. وإن كان ذلك المعنى واقعا فى بعض ذلك الزمان تعيّن نصبه أو جرّه ب (فى) ، نحو : السفر يوم الجمعة ، أو فى يوم الجمعة وقد يرفع نادرا.
قال فى التسهيل : ويغنى ـ أي : ظرف الزمان ـ عن خبر اسم معنى مطلقا ، فإن وقع فى جميعه ، أو فى أكثره ، وكان نكرة ، رفع غالبا ، ولا يمتنع نصبه ولا جره بفي خلافا للكوفيين. وربما رفع خبر الزمان الموقع فى بعضه. ه. ومن ذلك : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) فإن جلّها تصلح للإحرام.
يقول الحق جل جلاله : وقت إحرام الحج (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن أحرم قبلها كره عند مالك ، وبطل عند الشافعي ، (فَمَنْ فَرَضَ) على نفسه (فِيهِنَّ الْحَجَ) فيلزم الأدب والوقار ، ويجانب شهوة النساء ، (فَلا) يقع منه (رَفَثَ) أي : جماع أو كلام فحش ، (وَلا فُسُوقَ) أي : ذنوب ، (وَلا جِدالَ فِي) زمان (الْحَجُ) ولو مع المكاري (١) أو الخدّام ، ولا غيره من أنواع الخصام ؛ فإنه فى حضرة الملك العلام. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) كحلم وصبر وحسن خلق (يَعْلَمْهُ اللهُ) فاستبقوا الخيرات ، وتزودوا قبل هجوم الممات ، واتقوا الله حق تقاته (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى). أو تزودوا لسفر الحج ، ولا تسافروا كلّا على الناس ؛ (فَإِنَّ خَيْرَ
__________________
(١) المكارى : هو مكرى الدواب. ويغلب على الحمّار والبغّال ، وجمعه : مكارون.