ولمّا كان البيت الحرام عند فرض الحج معمورا بالكفار ، أمرهم بجهادهم ليتمكن المسلمون من الحج ، فقال :
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
قلت : (التهلكة) : مصدر هلك ـ بتشديد اللام ـ قاله ابن عطية. وضمن (تلقوا) معنى تفضوا ، أو تنتهوا ، فعدّاه بإلى ، أي : ولا تفضوا بأنفسكم إلى التهلكة. ولا يحتاج إلى زيادة الباء.
وسبب نزول الآية : أن المشركين صدّوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية ، وصالحوه على أن يرجع فى قابل ، فيخلوا له البيت ثلاثة أيام ، فرجع لعمرة القضاء ، وخاف المسلمون ألا يفوا لهم ، فيقاتلوا فى الحرم والشهر الحرام ، وكرهوا ذلك ، فنزلت الآية.
يقول الحق جل جلاله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وإعلاء كلمته (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) أي : يبدءونكم بالقتال ، (وَلا تَعْتَدُوا) فتقاتلوهم قبل أن يبدءوكم ؛ (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) لا ينصرهم ولا يؤيدهم. ثم نسخ هذا بقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ...) الآية. (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : وجدتموهم ، ولا تتحرجوا من قتالهم فى الحرم ، فإنهم هم الذين صدوكم وبدأوكم بالإذاية ، (وَأَخْرِجُوهُمْ) من مكة (حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) منها ، (وَالْفِتْنَةُ) أي : الكفر الذي هم فيه ، (أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) لهم فى الحرم ، (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ابتداء (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ) فيه (فَاقْتُلُوهُمْ) فيه ، وفى غيره ، (كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) يفعل بهم ما فعلوا بغيرهم ، (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الشرك وأسلموا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) بهم.