والرشوة ، والربا ، وغير ذلك مما نهى الشارع عنه. ولا يدخل فى ذلك التمائم والعزائم إذا كان بالقرآن أو السنة وغلب الشفاء ، وكذلك لا يدخل أيضا الغبن ، إذا كان البائع عالما بالمبيع.
أو (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) بأن تنفقوها فى الملاهي والزنا والشرب واللواط ، وغير ذلك من المحرمات ، ولا (تُدْلُوا) أي : تتوسلوا بها ، أي : بدفعها (إِلَى الْحُكَّامِ) رشوة (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ) بأن يحكم لكم بها القاضي ، تأخذونها متلبسين (بِالْإِثْمِ) أي : بالمعصية (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنها لغيركم ؛ فإنّ حكم الحاكم لا يحلّ حراما.
وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّما أنا بشر مثلكم ، ولعلّ بعضكم أن يكون الحن بحجّته من بعض فأقضى له ، فمن قضيت له بشىء من مال أخيه فإنّما أقطع له قطعة من النار».
الإشارة : الباطل كلّ ما سوى الحق ، فكل من كان يأخذ من يد الخلق ولا يشاهد فيهم الحق فإنما يأخذ أموال الناس بالباطل. قال فى الحكم : «لا تمدّن يديك إلى الأخذ من الخلائق إلا أن ترى أن المعطى فيهم مولاك ، فإذا كنت كذلك فخذ ما وافقك العلم». ويحتاج العامل بهذا إلى عسة (١) كبيرة ، وشهود قوى ، حتى يفنى عن نظره مشاهدة الخلق فى شهود الملك الحق. وكان بعضهم يطلب من هذا وصفه فيعطى للفقير العطاء ، ويقول : خذ ، لا لك ، فلا يسمع من أحد شيئا ، حتى أعطى لبعض الفقراء ، وقال : خذ ، لا لك ، فقال : أقبض لا منك. ه. قلت : الوصول إلى الحكام على شأن الدنيا أو للانتصار للنفس حرام فى طريق الخصوص ، بل يصبر حتى يحكم الله بينه وبين خصمه ، وهو خير الحاكمين ، فإن اضطرّ إلى شىء ولم يجد بدا منه فليوكّل ، وبالله التوفيق.
ولما أراد الحق تعالى أن يتكلم على أحكام الحج ، قدّم الكلام على الهلال ؛ لأنه معتبر فى الحج ، أداء وقضاء ، فقال :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ...)
قلت : الذي سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة (٢) ، فقالا : يا رسول الله : ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط ، ثم لا يزال يزيد حتى يستوى ، ثم لا يزال ينقص حتى يرجع كالخيط؟ فقال الحق جل جلاله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ)
__________________
(١) أي : اجتهاد وجد ، من عسّ يعس : إذا طلب.
(٢) فى الأصول (غنم) ، والصواب : غنمة ، كما فى أسد الغابة ، والإصابة.