قلت : (لَوْ) شرطية ، و (يَرَى) شرطها ، قرأ نافع وابن عامر ويعقوب بالخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم أو لكل سامع ، والباقون بالغيب وإسناده إلى الظالم ، لأنه المقصود بالوعيد والتهديد ، و (إِذْ) ظرف للرؤية ، وموضع (يَرَوْنَ) خفض بالإضافة ، قرأ ابن عامر بضم الياء ، على البناء للمفعول ، والفاعل الحقيقي هو الله تعالى ، بدليل (يُرِيهِمُ اللهُ) ، والباقون بالفتح على البناء للفاعل ، على حد : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ). و (أَنَّ الْقُوَّةَ) معمول للجواب المحذوف ، تعظيما لشأنه ، والتقدير : لو ترى يا محمد ، أو يا من يسمع ، الذين ظلموا حين يرون العذاب ، أو يريهم الله العذاب ، لرأيت أمرا فظيعا وخطبا جسيما ، ولعلمت أن القوة لله جميعا.
و (جَمِيعاً) حال ، أي : أن القوة ثابتة فى حال اجتماعها ، وقرأ أبو جعفر ويعقوب (إنّ) بالكسر فى الموضعين على الاستئناف ، و (إذ تبرأ) بدل من (إذ يرون) ، والأسباب : العهود والوصل التي كانت بينهم فى الدنيا يتوادّون عليها ، وأصل السبب : كل شىء يتوصل به إلى شىء ، ومنه قيل للحبل الذي يصعد به : سبب ، وللطريق : سبب ، قال الشاعر (١) :
ومن هاب أسباب المنيّة يلقها |
|
ولو رام أسباب السماء بسلّم |
و (حسرات) : حال ، إن كانت بصرية ، على مذهب أهل السنة ، أو مفعول ثالث إن كانت علمية على مذهب المعتزلة القائلين بعدم تشخص الأعمال.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ يَرَى) يا محمد ، أو كل من يتأتى منه الرؤية ، حال (الَّذِينَ ظَلَمُوا) باتخاذهم الأنداد والأوثان ، بعد وضوح الأدلة وسطوع البرهان ، حيث (يَرَوْنَ الْعَذابَ) محيطا بهم ، والزبانية تغلبهم ، والنار تلتقطهم ، لرأيت أمرا فظيعا ، وخطبا جسيما ، ولعلمت (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ، أو لو يرى الذين ظلموا العذاب الذي أعد لهم بسبب شركهم ، لرأوا أمرا عظيما ، ولتيقنوا (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ).
وذلك حين يتبرأ المتبوعون ـ وهم الرؤساء ـ ، من الأتباع ـ وهم القلة الضعفاء ـ والحالة أنهم (رَأَوُا الْعَذابَ) الفظيع ، (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) أي : أسباب المودة والوصلات التي كانت بينهم فى الدنيا ، وصارت مودتهم عداوة ، (وَقالَ) حينئذ الضعفاء (الَّذِينَ اتَّبَعُوا) شياطينهم فى الكفر والضلال : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي : رجعة للدنيا (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) أي : من كبرائهم (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) اليوم. (كَذلِكَ) أي : مثل ذلك الإبراء الفظيع (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ) وندامات (عَلَيْهِمْ) فيدخلون النار على سبيل الخلود ، (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
__________________
(١) وهو زهير بن أبى سلمى.