وقال آخر (١) :
ما للحجاب مكان فى وجودكم |
|
إلا بسرّ حروف (انظر إلى الجبل) |
أنتم دللتم عليكم منكم ولكم |
|
ديمومة عبّرت عن غامض الأزل |
عرفتم بكم هذا الخبير بكم |
|
أنتم هم يا حياة القلب يا أملى |
ولما كانت المحبة تزيد وتنقص باعتبار شهود الوحدانية ، فكلما قوى التوحيد فى القلب قويت المحبة ؛ لانحصارها فى واحد ، ذكرها بأثر التوحيد ، فقال :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ...)
قلت : ويحتمل فى وجه المناسبة ، أن يكون الحق تعالى لمّا ذكر دلائل التوحيد ذكر من أعرض بعد وضوحها فأشرك معه ، ليرتب بعد ذلك ما أعدّ له من العذاب ، والأنداد : جمع ندّ وهو المثل ، والمراد هنا الأصنام أو الرؤساء ، والإضافة فى (كَحُبِّ اللهِ) من إضافة المصدر إلى مفعوله ، والحبّ : ميل القلب إلى المحبوب ، وسيأتى فى الإشارة ، إن شاء الله.
يقول الحق جل جلاله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ) أشباها وأمثالا من الأصنام والرؤساء (يُحِبُّونَهُمْ) ، وينقادون إليهم ، كما يحبون الله تعالى ، فيسوّون فى المحبة بين الله تعالى العلى الكبير ، وبين المصنوع الذليل الحقير ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ووحّدوه (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ؛ لأن المؤمنين لا يلتفتون عن محبوبهم فى الشدة ولا فى الرخاء ، بخلاف الكفار فإنهم يعبدونهم فى وقت الرخاء ، فإذا نزل البلاء التجئوا إلى الله. قال تعالى : (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) الآية ، وأيضا : المؤمنون يعبدون الله بلا واسطة ، والكفار يعبدونه بواسطة أصنامهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وأيضا المؤمنون يعبدون ربا واحدا فاتحدت محبتهم.
قال سعيد بن جبير : (إن الله تعالى يأمر يوم القيامة من عبد الأصنام أن يدخلوا النار مع أصنامهم ، فيمتنعون لعلمهم بالخلود فيها ، ثم يقول للمؤمنين بين يدى الكفار : إن كنتم أحبائى فادخلوا ، فيقتحم المؤمنون النار ، وينادى مناد من تحت العرش : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ). وفى ذلك يقول ابن الفارض :
__________________
(١) وهو الششترى.