يبتليهم الله تعالى بتسليط الخلق عليهم وأنواع من البلايا ، فإذا نقوا من البقايا ، وتكلمت فيهم المزايا ، أظهرهم للخلق داعين إلى الله ومرشدين إلى طريق الله ، وقد تبقى الإمامة فى ذريتهم إن ساروا على هديهم ، ومن لم يسلك به هذا المسلك فلا يصلح للإمامة ، وإن توجه إليها كان ناقصا فى الدعوة ، ولذلك قال بعضهم : (من ادعى شهود الجمال قبل تأدبه بالجلال ، فارفضه فإنه دجال). ه. وكل من اتصف بشئ من ظلم العباد لا ينال عهد الإمامة فى طريق الإرشاد ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم ذكر شرف البيت الذي هو المقصود ، فقال :
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))
قلت : (المثابة) : المرجع الذي يثوب الناس إليه كل سنة ، و (اتخذوا) : على قراءة الأمر ، محكى بقول محذوف ، أي : وقلنا اتخذوا ، وعلى قراءة الماضي : معطوف على (جعلنا) ، أي : جعلناه مثابة ، واتخذه الناس مصلّى.
يقول الحق جل جلاله : (و) اذكر يا محمد (إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) الحرام ، أي : الكعبة ، مرجعا للناس يرجعون لزيارته والطواف به كل سنة ، وجعلناه محل أمن ، كل من دخله كان آمنا من عقوبة الدنيا والآخرة ، أما فى الدنيا فإنّ الناس يتخطفون من حوله ، وأهله آمنون ، وأما فى الآخرة فلأن الحج يجبّ ما قبله ، وهذا يدل على شرف البيت وحرمته.
وقلنا لهم : (اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) ، وهو الحجر الذي فيه أثر قدميه ، (مُصَلًّى) تصلون إليه ، وهو الذي يصلون خلفه ركعتى الطواف ، (وَعَهِدْنا) أي : أوحينا (إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) ولده ، بأن قلنا لهما : (طَهِّرا بَيْتِيَ) من الأدناس والأرجاس والأصنام والأوثان ، (لِلطَّائِفِينَ) به (وَالْعاكِفِينَ) أي : المقيمين فيه ، والمصلين فيه الراكعين الساجدين. فكان البيت مطهرا فى زمانهما وبعدهما زمانا ، ثم أدخلت فيه [الأصنام] (١) فطهره نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وتبقى طهارته حتى يأتى أمر الله. والله تعالى أعلم.
الإشارة : القلب هو بيت الرب ، يقول الله تبارك وتعالى لبعض أنبيائه : «طهر لى بيتا أسكنه ، فقال : يا رب أي بيت يسعك؟ فقال له : لن تسعنى أرضى ولا سمائى ، ووسعني قلب عبدى المؤمن». فإذا تطهر القلب من الأغيار
__________________
(١) ما بين المعكوفتين زيادة ليست فى الأصول.