ويجليه عنها ،
وجعلهم الحق نفسا واحدة ، وكذلك هو فى الحقيقة ، وفى ذلك يقول الشاعر :
عنصر الأنفاس
منّا واحد
|
|
وكذا الأجسام
جسم عمّنا
|
(ثُمَّ
أَقْرَرْتُمْ) بهذا العهد والتزمتموه لأنفسكم (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) على أنفسكم بذلك ، (ثُمَّ أَنْتُمْ) يا (هؤُلاءِ) اليهود (تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ) أي : يقتل بعضكم بعضا ، (وَتُخْرِجُونَ
فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) إجلاء عنها ، تتغالبون (عَلَيْهِمْ) بالظلم والطغيان ، (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ) مأسورين تفدوهم بمالكم ، وذلك الإخراج محرم عليكم.
وحاصل
الآية : أن الله تعالى
أخذ على بنى إسرائيل العهد فى التوراة ألا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرج بعضهم بعضا
من ديارهم ، وأيّما عبد أو أمة وجدتموه من بنى إسرائيل أسيرا فاشتروه بما كان من
ثمنه وأعتقوه ، فكانت قريظة حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، وكانوا يقتتلون
فى الحرب فيعين بنو قريظة حلفاءهم الأوس ، فيقاتلون بنى النضير فى قتالهم مع
الخزرج ، فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم منها ، فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا
له حتى يفدوه ، فعيرتهم العرب ، فقالوا : تقاتلونهم وتفدونهم؟! فيقولون : قد أمرنا
أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ، قالوا : فلم تقاتلونهم؟ فقالوا : إنا نستحى أن يذل
حلفاؤنا ، فوبخهم الله على ذلك ، فقال :
(أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتابِ) وهو الفداء (وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ) وهو القتل والإخراج؟ (فَما جَزاءُ مَنْ
يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ) أي : ذل وهوان (فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا) ، وهو السبي والقتل لبنى قريظة ، والجلاء والإخراج من
الوطن لبنى النضير ، أو الذل والجزية للفريقين إلى يوم القيامة ، (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى
أَشَدِّ الْعَذابِ). وليس ما أصابهم تكفيرا لذنوبهم ، بل نقمة وغضبا عليهم ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ).
الإشارة
: الناس على قسمين :
قوم ضعفاء تمسكوا بظاهر الشريعة ولم ينفذوا إلى باطنها ، ولم يقدروا على قتل
نفوسهم ، ولا على الخروج من وطن عوائدهم ، فيقول لهم الحق جل جلاله : لا تسفكون
دماءكم فى محبتى ؛ لأنكم لا تقدرون على ذلك ، ولا تخرجون أنفسكم من دياركم فى
سياحة قلوبكم ، فقد أقررتم بعجزكم وضعفكم ، ويقول للأقوياء : ثم أنتم يا هؤلاء
تقتلون أنفسكم فى طلب معرفتى ، وتخرجون فريقا منكم من ديار عوائدهم فى طلب مرضاتى
، تتعاونون على نفوسكم بالقهر والغلبة ، وكذلك ورد فى بعض الأخبار : (أول ما يقول
الله للعبد : اطلب العافية والجنة والأعمال وغير ذلك ، فإن قال : لا ، ما أريد إلا
أنت ، قال له : من دخل فى هذا معى فإنما يدخل بإسقاط الحظوظ ، ورفع الحدث ، وإثبات
القدم ، وذلك يوجب العدم) وأنشدوا :