وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))
قلت : (لو لا) : حرف امتناع لوجود (١) ، تلزم الدخول على المبتدأ ، وخبرها واجب الحذف عند سيبويه ، أي : لو لا فضل الله عليكم ورحمته موجودان ، وقال الكوفيون : فاعل بمحذوف : أي : لو لا أن ثبت فضل الله عليكم ورحمته ، و (لكنتم) : جوابها.
يقول الحق جل جلاله : واذكروا يا بنى إسرائيل حين (أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) أن تقبلوا تكاليف التوراة ، وكانت شاقة عليهم ، فلما أبيتم قبولها ، قلعنا الطور ، ورفعناه فوقكم على مقدار عسكركم ، كالظلة ، وقلنا لكم : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) من التوراة بجد واجتهاد ، (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من الوعظ والتذكير (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الله ، فتفوزون بالخير الكثير ، فقبلتم ذلك كرها (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) وأعرضتم بعد ذلك ، فسفكتم الدماء ، وقتلتم الأنبياء ، (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) بتوفيقكم للتوبة ، (وَرَحْمَتُهُ) بقبولها منكم ، لخسرتم الدنيا والآخرة.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) ما جرى للذين (اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) فى زمن داود عليهالسلام ، وذلك فى قرية يقال لها : «أيلة» ، كانت على شاطىء البحر ، وقد نهوا عن الاصطياد يوم السبت ، فكانت الحيتان تخرج يوم السبت شرّعا ، فتخرج خراطيمها للبر ، فإذا كان يوم الأحد دخلت فى البحر ، فحفروا حياضا ، وشرعوا إليها جداول ، فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد ، فلمّا لم يعاقبوا على ذلك أحلّوا يوم السبت ، فانقسمت القرية على ثلاث فرق : قوم نهوا ، وقوم سكتوا ، وقوم اصطادوا ، فمسخ من اصطاد قردة وخنازير ؛ الشّبان قردة ، والشيوخ خنازير ، فبقوا ثلاثة أيام وماتوا. فجعلنا تلك الفعلة التي فعلنا بهم ـ (نَكالاً) وزجرا (لِما بَيْنَ يَدَيْها) فى زمانها ، وما خلفها ؛ من يأتى بعدها ، (وَمَوْعِظَةً) : وتذكيرا (لِلْمُتَّقِينَ) من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
الإشارة : اعلم أن المريدين إذا دخلوا فى يد شيخ ، وأخذوا عنه العهد ، حملهم من أعباء التكليف وخرق العوائد ما تموت به نفوسهم ، وتحيا به قلوبهم ، كذبح النفوس وحط الرؤوس ودفع الفلوس ، فإذا هموا بالتقصير ، ظلل عليهم جبل همته ، وأدار عليهم يد حفظه ورعايته ، ولذلك قال الشيخ أبو الحسن : (والله لا يكون الشيخ شيخا حتى تكون يده مع الفقير أينما ذهب). والمراد باليد : الهمة والحفظ ، ولا يزال الشيخ يراسلهم بهذه التكاليف ، ويحضهم على الأخذ بها ، والاجتهاد فى العمل بها ، حتى تموت نفوسهم وتحيا قلوبهم ، وترسخ معرفتهم ، وتكمل تربيتهم ، فحينئذ ينتقلون إلى روح وريحان فى جنات الشهود والعيان.
__________________
(١) أي : امتناع شىء لوجود غيره.