والنصارى : جمع نصران ، وسموا بذلك إما لنصرهم المسيح عليهالسلام ، أو لسكناهم معه فى قرية يقال لها : (نصران) ، والصابئون : طائفة من أهل الكتاب ، خرجوا عن دين اليهودية وعبدوا الكواكب ، يقال : صبا يصبو ، إذا مال وخرج من دين إلى دين.
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلىاللهعليهوسلم والذين آمنوا بموسى ، والذين آمنوا بعيسى ـ عليهماالسلام ـ ، والذين خرجوا عن دينهم وصبوا ، (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وتبع محمدا صلىاللهعليهوسلم وعمل بشريعته ، (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) إذا قدموا عليه بالنعيم المقيم ، والنظر إلى وجهه الكريم ، (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف الكفار ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حين يحزن المفرطون والأشرار ؛ إذ لا يلحقهم وبال ولا يفوتهم نوال. وبالله التوفيق.
الإشارة : إن الذين آمنوا إيمانا لا يختلجه وهم ، ولا يطرق ساحته شك ولا ريب ، إما عن برهان قاطع ، أو عن شهود ساطع ، والذين تابوا عن هواجس الخواطر وغفلات الضمائر ، والذين نصروا الدين ، وشيدوا منار شريعة المسلمين ، والذين صبوا إلى الحبيب ، ومالوا عن كل بعيد وقريب ، فهؤلاء الذين سبقت لهم من الله العناية ، وهبت عليهم ريح الهداية ، جمعوا بين تزيين البواطن بأنوار الإيقان ، وتزيين الظواهر بأنواع الطاعة والإذعان ، فلا جرم أنهم ، إذا قدموا على ربهم ، أجلّ منصبهم ، وأجزل ثوابهم ، وأعلى مقامهم ، فأولئك أولياء الله الذين (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
فالمخصوصون بالعناية أربعة : قوم أقامهم الحق تعالى لتنمية الإيمان وتربية الإيقان ، إما عن دليل وبرهان ـ وهم أهل النظر والاعتبار ، ـ وإما عن شهود وعيان ـ وهم أهل الشهود والاستبصار ـ ، وقوم أقامهم الحق تعالى لتصفية نفوسهم وتزكية أحوالهم بالتوبة ، والإقلاع عن كل وصف مذموم ، وهم السائرون والطالبون ، وقوم أقامهم لنصرة الدين وإظهار شريعة المسلمين ، إما بتقرير قواعده أو جهاد معانده ، وهم العلماء والمجاهدون ، وقوم أقامهم لخدمته ، وملأ قلوبهم بهيبته ، وهم العباد والزهاد ، مالوا عن الشهوات وتأنسوا به فى الخلوات ، هجروا الأوطان وفارقوا الأحباب والإخوان ، صبوا إلى محبة الحبيب وتلذذوا بمناجاة القريب ، فهؤلاء المخصوصون بعين العناية ، المحفوظون بغاية الرعاية ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس. حققنا الله بمقام الجميع بمنّه وكرمه. آمين.
ثم وبّخهم على نقض العهود ، وعدم الوقوف مع الحدود ، فقال :
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤)