ولا يأخذ على ذلك أجرا ولا جعلا ؛ فإن ذلك سحت وربا ، ومن تكبر به وطغى ، أو أخذ على ذلك أجرا ، قيل له يوم القيامة : قد استوفيت أجرك فلا حظ لك عندنا ، فلا تنفعه شفاعة ، ولا يقبل منه فداء ، ولا يقدر أن ينتصر من موارد الهوان والردى ، ففى بعض الأخبار : يقول الله تعالى للفقراء الذين يعظمون فى الدنيا لأجل فقرهم : ألم أرخص لكم الأسعار؟ ألم أوسع لكم المجالس؟ ألم أعطّف عليكم عبادى؟ فقد أخذتم أجركم فى الدنيا. أو كما قال. والله تعالى أعلم.
ثم ذكّر الحق تعالى بنى إسرائيل بنعمة أخرى ، فقال :
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩))
قلت : (إذ) : معمول لا ذكروا ، و (فرعون) : اسم لكل من ملك القبط ، كما أن قيصر اسم لمن ملك الروم ، وكسرى اسم لمن ملك الفرس ، واسم (فرعون) الذي كان فى زمن موسى عليهالسلام : «مصعب بن ريان» ، وقيل : ابنه الوليد. وسام يسوم : طلب وبغى ، يقال : سامه خسفا إذا أولاه ظلما ، وجملة (يسومونكم) : حال من (آل فرعون) ، وجملة (يذبحون) : بيان لها. وسوء العذاب : أفظعه وأقبحه.
يقول الحق جل جلاله : يا بنى إسرائيل اذكروا نعمة أخرى أنعمت بها على أسلافكم ، وأنتم عالمون بها ، وذلك حين أنجيناكم من عذاب فرعون ورهطه ، يولونكم أقبح العذاب وأشنعه ، كانوا يستعبدون رجالكم ونساءكم فى مشاق الخدمة والمهنة ، ولمّا أخبره الكهان أنه سيخرج منكم ولد يخرّب ملكه ، جعل يذبح ذكوركم ويترك نساءكم ، وفى ذلكم محنة (مِنْ رَبِّكُمْ) وابتلاء (عَظِيمٌ) ، أو فى ذلك الإنجاء اختبار من ربكم عظيم ، فاذكروا هذه النعمة ، وتحصنوا بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم من محنة أخرى ، ولا ينفع حذر من قدر ، (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً). وبالله التوفيق.
الإشارة : لكل زمان فراعين وجبابرة يقطعون الناس عن الانقطاع إلى الله والدخول إلى حضرة الله ، (ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) ، يقول الحق جل جلاله للذين تخلصوا منهم : اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم بها ؛ حيث أنجيتكم من فراعين زمنكم ، يسومونكم سوء العذاب ؛ وهو البقاء فى غم الحجاب ، والانقطاع عن الأحباب ، يقتلون ما ربيتم من اليقين فى قلوبكم والمعرفة فى أسراركم ، ويستحيون