حكمه في العبادة أنّه (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) إمّا تكوينا ، فأمره الفطري الذي أودعه في فطرة الناس ، وإمّا تشريعا ، فبلسان أنبيائه ورسله.
قوله سبحانه : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)
والقيّم : هو القائم بالأمر الغير المزايل عن تدّبيره ، وعلى هذا فالقيّم من الدين : هو الذي لا يناقض بعض أجزائه بعضا لرجوع الجميع إلى أصل واحد غير مختلف كالتوحيد ، ولا يناقض المجموع ما عليه حقيقة الأمر لاتّكائه على الفطرة التي فطر الله الخلق عليها ، والفطرة متّكأة على حقيقة الخلقة وعين الخارج ولا معنى للخبط والخطاء فيها ، فقد جمع الدين كلّه في كلمة واحدة وهو قوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) فللعالم إلها لا يجوز أن يدان ويخضع الّا بما حكم به ، ولكن (أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لإخلادهم إلى الأرض وتوغّلهم في مشتهيات الحياة الدنيا ، قال تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ). (١)
وقال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً). (٢)
فهؤلاء من جملة الناس عالمون وغير عالمين ، عالمون بفطرتهم وجاهلون بإعراضهم عنها واشتغالهم بما لا يدوم لهم ولا ينفعهم.
قوله سبحانه : (أَمَّا أَحَدُكُما)
وهو الذي رأى أنّه يعصر خمرا بقرينة قوله تعالى : (فَيَسْقِي). وكذلك الآخر
__________________
(١). النجم (٥٣) : ٢٩ ـ ٣٠.
(٢). الجاثية (٤٥) : ٢٣.