والمعلوليّة ، لا يرضي فطرة إلّا أن يثبت لموجودات هذا العالم علّة توجبها ، فربّما رأى أنّ الموجودات تنقسم إلى أنواع مختلفة غير متماثلة ، فيظنّ فيما يثبت أنّ لكلّ نوع منها ربّا ، فيأخذ بعبادة ما يستعظمه منها ، كما أنّه منشأ عبادة الأصنام ، غير أنّ الفطرة الصافية تكذّب ذلك ، فإنّ العالم على تشتّت أجزائه ، وتفرّق موجوداته ؛ بقياس بعضها إلى بعض يندرج تحت نظام واحد كلّي ، تركّب على مادّة واحدة ، والعلّة التي يستند إليه العالم يجب أن لا تتأثر عن شيء دونه ، ولا تكون مغلوبة مقهورة عن بعض أجزائه ، وكلّ ربّ من الأرباب المتفرقة التي أثبتوها إنّما يغلب ويقهر ما هو تحت سيطرة ربوبيّته ، وأمّا ما دون ذلك فهو مقهور له منفعل عنه ، فله ـ لا محالة ـ علّة فوقه ، فالعلّية المطلقة لا تصلح إلّا لعلّة واحدة قاهرة لكلّ شيء دونها ، وهو الله الواحد القهّار ، فما ذكره ـ عليهالسلام ـ بقوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) برهان تامّ ، وإنّما وصف الأرباب بالتفرّق ، ووصف الله ـ سبحانه ـ بالقهر ، وجمع الأرباب ووحّد الله ـ سبحانه ـ ؛ للإشارة إلى وجود منافات بين الربوبيّة وبين التعدّد ، وذلك للزوم المقهوريّة على ذلك الفرض.
قوله سبحانه : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً)
إذ ليس لها سلطان على شيء من أنفسها وما أنزل الله سبحانه لها (مِنْ سُلْطانٍ) فلم يبق لكم من معبود (إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) فقط ، فلا حقيقة لها إلّا في الوهم فقط.
قوله سبحانه : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)
لأنّه ـ سبحانه ـ ينتهي إليه وجود كلّ شيء ، فلو كان في العالم حكم فهو له ، ومن