كقول عيسى فيما حكاه الله تعالى : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ). (١)
قوله سبحانه : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ)
تعليل لقوله : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) وحاصله أنّ ربّي علّمني ذلك ؛ لأنّي رفضت الشرك وتمسكت بالتوحيد ، وهو ملة آبائي الكرام : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وذكر آباءه ليدلّ على أصالة نسبه ، وإنّه ليس عبدا دنيئا في جرثومته ، ثمّ ذكر أنّ هذه الملّة وهو دين التوحيد ، ليس ممّا ابتدعه هو وآباؤه ، بل هو دين فطري ، تفضّل به الله ـ سبحانه ـ عليهم وعلى غيرهم من الناس ، بأنّ فطر الجميع على فطرة التوحيد ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون ، فلا يجرون على ما أودع الله ـ سبحانه ـ في خلقتهم من نعمة الفطرة ، فينحرفون عن صراط الفطرة إلى سبل الضلال لقوله : (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) بمنزلة البيان لقوله السابق.
قوله سبحانه : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ)
أضافهما إلى السجن لاتّحادهما معه في المكان ، نحو من التلبّس وهو السجن ، كقوله : «يا ساري الليلة».
قوله سبحانه : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ)
الإنسان بصفاء فطرته إذا توجّه إلى موجودات هذا العالم المحسوس ، ورأى ما بينها من التأثير والتأثر ، والفعل والانفعال أيقن أنّ الحادث الذي : لم يكن ، وهو الذي ليس له أن يكون من تلقاء نفسه يحتاج إلى علّة توجبه ، وهو أصل العلّية
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٤٩.