إلى أحد طرفي هذا التخيير ؛ إمّا الفجور وإمّا السجن وكان السجّن أحبّ إليّ ، وإن كنت أحبّ العافية منهما جميعا ، وهذا كمثل الإنسان إذا قيل له : إمّا أن تضرب وإمّا أن تحبس ، فيقول : الحبس أحبّ إليّ ، فليس في هذا دعاء من يوسف ، ومسألة الحبس من ربّه ، بل هو إظهار للطهارة التي أودعته فيه التربية الإلهيّة بالولاية ، ولذلك أردفه بقوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ)، فاستمسك بالعصمة الإلهيّة وهو العلم بمقام ربّه ، وإنّه لو لا ذلك لابتلى بالصبوّ والميل إلى الهوى ، وكان من الجاهلين بمقام ربّه ، وفيه دلالة على أنّ الانصراف عن السوء والفحشاء إنّما هو بالعلم بالله.
ومن هنا يعلم أنّ الاستجابة التي ذكرها الله سبحانه بقوله : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، إنّما هي بإفاضة العلم ، أو بحفظ ما عنده من العلم ، لا بتقدير السجن في حقّه ، ويشهد على ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) حيث قال : (ثُمَّ بَدا) (١) ولم يقل : «فبدا لهم».
وفي العلل : عن السجّاد ـ عليهالسلام ـ : كان يوسف ـ عليهالسلام ـ من أجمل أهل زمانه فلمّا راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه فقال لها : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون ، فغلّقت الأبواب عليها وعليه ، وقالت : لا تخف وألقت نفسها عليه ، فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه ، فلحقته من خلفه فأخرجته منه ، فأفلت منها يوسف في ثيابه : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) قال : فهمّ الملك
__________________
(١). يوسف (١٢) : ٣٥.