أن يجعل مثل هذا الموجود على جماله وحسنه الخارق للعادة بشرا ، وعلى هذا فقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) استيناف بمنزلة التفسير للمنزّه عنه المحذوف.
وقوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)
تأكيد لقوله : (ما هذا بَشَراً) كأنّه قيل : فمن هو إذا لم يكن بشرا؟ ، فقيل : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) وذلك لمّا شاهدن من جماله المنهب وحسنه الفائق من غير أيّ عيب ونقص ، ومن صفاء أخلاقه وكنّ سمعن نزاهة نفسه وهذه صفات الملك.
وقوله سبحانه : (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)
جيء بفاء التفريع لتفريع لومهنّ على قولهنّ فيه : (حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ليتّضح أنّ اللوم ما كان في محلّه ، وأنّها كانت معذورة في حبّها ، ثمّ قالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)؛ لأنّ المقام كان مقام الاسترسال كما قدّمناه ، ثمّ قالت : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)، أرادت بذلك أن تترفّع عنهنّ في عين الاسترسال قطعا لطمعهنّ فيه ، وبسطا لشوكتها ، وتهديدا ليوسف ليرضى بما تريده منه ، ولذلك لم تخاطبه ، وأتت في كلامها بلام القسم ونون التأكيد وأسمعته حديث السجن ، ثمّ ذكرته الإكرام البالغ الذي كانت تصنعه في حقّه ، وأنّه سيتبدّل بالصغار لو لم يفعل.
قوله سبحانه : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ)
كلامه ـ عليهالسلام ـ يدّل على أنّ النسوة كلهنّ كنّ يدعونه إلى أنفسهنّ ، لا الملكة وحدها ، وإنّما قال ما قال ضجرا من فعالهنّ ، بمعنى أنّي لو اضطررت