ضَلالٍ مُبِينٍ)، إبطال لما قلنه وزعمنه من الأمر ؛ بأنّ ذلك كلّه إنّما هو حقّ لو كان يوسف إنسانا وليس كذلك ، فإنّما هو ملك كريم ، وإنّما يذمّ الإنسان ويلام على فعاله لو ابتلى بهوى إنسان وكان في وسعه أن يكتفي عنه بما يكافئه ويغني عنه.
وأمّا الجمال الذي لا يعادله جمال ولا يبقى معه ثوب اختيار فلا لوم على هواه ولا ذمّ على المقولة ؛ ولهذا انقلب المجلس دفعة وانقطعت قيود الاحتشام وانبسطن وتظاهرن بالقول في حسن يوسف ، وكلّ تتكلّم بما في ضميرها من حبّه والإعجاب به.
وقالت الملكة : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)؛ فأبدت سرّا ما كانت تعترف به أبدا عند أحد ، ثمّ هدّدت يوسف ودعوته إلى نفسها بأيّ إيماء أو فعال يمكن حفظا على مقامها عندهنّ وطمعا في مطاوعته ، فقالت : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ).
وأمّا يوسف فلم يكلمهنّ بشيء ولا اشتغل بهنّ ، وإنّما راجع ربّه : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ).
ولحن هذا الكلام إذا قيس إلى ما قاله يوسف وهو يخاطب الملكة : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). يدّل على أنّ هذا المقام كان أشقّ على يوسف وأمرّ عليه ؛ إذ كان بالأمس يقاوم كيد الملكة وحدها ، وقد توجّهت عليه اليوم همّهنّ ومكائدهنّ جميعا ، وقد كان ما بالأمس واقعة في خلوة على تستّر منها ، وهي وهنّ اليوم متجاهرات متظاهرات في حبّه ومصرّات في مراودته ، وجميع الأسباب والمتقضيات اليوم قاضية لهنّ عليه أشد ممّا كانت عليه بالأمس ، ولذلك تضرّع إلى الله ـ سبحانه ـ في رفع كيدهنّ هاهنا واكتفى