في شيء ، معتزلا به دونهم ، حتّى أودع ذلك حقدا في قلوبهم ، وحسدا في نفوسهم ، ولا يعبأ بذلك يعقوب ، ولا يلوي في حبّه على شيء ، كما يدلّ عليه قولهم : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) فلم يجبهم يعقوب في أوّل قولهم ، ولم يكذّبهم في قولهم : (لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) ، ولم يصدّقهم في قولهم : (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ)، ولا تكلم في ذلك حتّى بتورية وتعمية ، وإنّما قال لهم : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ).
وبالجملة ؛ حتّى أدّى ذلك إلى أن اشتدّ غيظهم و... (١) إلى أن غضّوا عن الأخوّة ، ونسوا ناموس الفطرة ، من الشفقة والرأفة والرحمة ، وهمّوا بإفنائه وإعفاء أثره ، وإنسائه عن قلب أبيهم ، فأسرّوا في أمره بينهم ، وشاوروا لتحصيل الرأي في أمره ، وبادىء رأيهم أن يقتلوه ، حتّى أشار بعضهم إلى أن يلقوه في غيابت الجبّ حتّى يلتقطه بعض السيّارة ، ويذهب به إلى أقاصي الأرض ، ويموت بذلك ذكره ، ويذهب نسيّا منسيّا.
ثمّ احتالوا أن يأخذوه من أبيهم يوما ، ليرتاح يوما بالتنزّه واللعب والمرح ، فكلّموا أباهم فيه ، ولم يزالوا به حتّى أرضوه ، وذهبوا به وألقوه في غيابت الجبّ ، لأحد أمرين : فإمّا أن يموت فيستريحوا منه ، وإمّا أن يلتقطه بعض السيّارة ، ولو كانوا يبالون موته وأرادوا أن يأخذه بعض السيّارة ويذهب به لشروه أو سلّموه لهم من غير أن يلقوه في الجبّ ، ثمّ إنّهم جاءوا إلى أبيهم وأخبروه أنّ الذئب أكله ، وأروه قميصه ملطّخا بالدم ، وانقضى اليوم وهم
__________________
(١). بياض في الأصل.