سطح الأفهام العاديّة ، وقوله : (الْكِتابِ الْمُبِينِ): إن كان المراد به القرآن ، فالمراد بالآيات أجزاؤه ؛ لدلالتها على التوحيد وأصول المعارف ، وإن كان المراد به اللوح المحفوظ ، فالمراد بالآيات أجزاؤه من حيث اشتمال القرآن على حكايتها ، وفيه إشارة إلى أنّ القرآن حق صدق لا يشوبه كذب ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، نظير ما يفيده قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). (١)
وربّما يؤيده قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، حيث قال : (أَنْزَلْناهُ) ولم يقل : جعلناه ؛ فإنّ الإنزال يستدعي انتقالا من علو إلى سفل ، وحيث كانت المرتبة الدانية هي سطح العقل والتعقل ، فالعالية أعلى من ذلك ، كما يدلّ عليه قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٢) ، وأمّا تفسيره : بأنّا جعلناه عربيّا لتعقلوه ولو جعلناه قرآنا أعجميّا لالتبس عليكم ، انتهى فهو بعيد.
قوله ـ سبحانه ـ : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ)
من قصّ الأثر إذا تتبعه ، ومنه القصّاص ، والمعنى : نقصّ عليك أحسن الاقتصاص ؛ لبيانه القصّة على اشتمالها على معاني العشق والمراودة على أجمل بيان وأعفّ لحن.
أو المعنى : نقصّ عليك أحسن القصص والحكايات ، فإن القصص والقصّة مصدران ربّما يراد بهما أصل معناهما ، وربّما يراد بهما الأثر الحاصل من
__________________
(١). الواقعة (٥٦) : ٧٧ ـ ٧٩.
(٢). الزخرف (٤٣) : ٣ ـ ٤.