وشاء أن يكون ، وقد رفع بذلك المانع العامّ عن المورد ، وبقي الباقي تحت المنع الإلهيّ العام ، وحينئذ فكلّ إيمان فإنّما هو بإذن من الله ـ سبحانه ـ يرفع به المانع عن إيمان المؤمن ، وأمّا المشرك فقد بقي تحت حكومة المنع الإلهيّ.
ومن الآية يتبيّن أنّ الشرك أمر عدمي لا يتوقّف على إرادة من الله ـ سبحانه ـ ، وإنّما يتوقّف على عدم إرادة الإيمان ، وعلى عدم الإذن فقط ، وبهذا المعني ينتسب إليه تعالى ، وعلى هذا النحو الضلال والكفر ، والفسوق وسائر ما يقابل السعادات العامّة والخاصّة ، وقد مرّت إشارات متفرّقة إليه فيما مرّ مرارا.
ومن هاهنا يظهر أيضا أنّ المراد بجعل الرجس في قوله : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)، وضع الشرك في قلوبهم ، وقد عرفت أنّ معنى وضع الشرك عدم وضع الإيمان الذي هو طهارة.
في العيون عن الرضا ـ عليهالسلام ـ : إنّه سأله المأمون عن الآية فقال : حدثني أبي عن آبائي ، عن أمير المؤمنين ـ عليهمالسلام ـ قال : إنّ المسلمين قالوا لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوتنا على عدوّنا ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ما كنت لألقي الله [عزوجل] ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا ، وما أنا من المتكلّفين ، فأنزل الله تعالى عليه : يا محمّد : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) على سبيل الإلجاء والإضطرار في الدنيا ، كما يؤمن (١) عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا منّي ثوابا ولا مدحا ، ولكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير
__________________
(١). في بعض نسخه : «يؤمنون» [منه ـ رحمهالله ـ].