مضطرّين ، ليستحقوا منّي الزلفى والكرامة ، ودوام الخلود في جنّة الخلد : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وأمّا قوله [تعالى] : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ، ولكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلّا بإذن الله ، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت متكلّفة (١) متعبّدة ، وإلجاؤه (٢) إياهّا إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها ، فقال المأمون : فرّجت عنّي [يا ابا الحسن] فرّج الله عنك (٣).
أقول : صدر الحديث يوجب أن تكون الآية ذات شأن في النزول مستقلّ ، وإنّها ليست تتمّة للآيات السابقة وإن ارتبطت بها بعض الارتباط ، وأمّا قوله في ذيله «فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها» ، مراده ـ عليهالسلام ـ ما ذكرناه أنّ أحدا من الناس لا يقدر على إيمان وعلى شيء آخر من أسباب السعادة من نفسه إلّا بإفاضة من الله ـ سبحانه ـ ، فمن آمن فإنّما يؤمن بإذن الله ـ سبحانه ـ ، ومن لم يؤمن فإنّما ذلك لأنّ الله ـ سبحانه ـ لم يأذن في ذلك ، فبقي الأمر على فقده وعدمه الأصلي.
وأمّا قوله ـ سبحانه ـ : (بِإِذْنِ) أمره لها بالإيمان ، ليس المراد به أنّ الإذن مقصور على مرتبة الأمر التشريعي ، والتكليف من غير تأثير منه تعالى في مرحلة الأفعال أصلا على ما يراه المعتزلة ، فإنّ ظاهر قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)، إنّ الإذن يختصّ به المؤمن في إيمانه ، وليس للمشرك فيه حظّ ، مع أنّ الإذن بمعنى التكليف لا يختصّ بالمؤمن ، وكذا ظاهر قوله :
__________________
(١). في المصدر : «مكلّفة»
(٢). في المصدر : «ألجأه»
(٣). عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦ ، الحديث : ٣٣.