وقوع الاستثناء بعد جملة : (آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها)، يدلّ على أنّ قوم يونس آمنوا إيمانا نافعا ، فقد كان إيمانهم قبل نزول العذاب ورؤية البأس ، ولو لم يكن كذلك لم يكن ينفعهم ، كما لم ينفع غيرهم بعد رؤية البأس كما تدلّ عليه الروايات أنّ القوم ندموا على بعد غيبة يونس على ما فعلوا ، واجتمعوا للتوبة والالتجاء حينما رأوا مقدمات العذاب ، فقبلت منهم وأعطوا الأمان ، وستأتي قصّتهم في سورتي الأنبياء والصّافات.
قوله سبحانه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ)
كأنّه لدفع الدخل ، فإنّما مرّ من البيان كان يعطي أنّ هؤلاء لم يؤمنوا فصدق قوله ـ سبحانه ـ أنّهم لا يؤمنون ، فربّما سبق أنّ ذلك كان منه ـ سبحانه ـ على سبيل العلم السابق ، مع استقلالهم فيما أرادوا من الشرك على سبيل ما نتغرس الحوادث قبل وقوعها ، من غير أن نملك زمام الأمر فيها ، فدفع الدخل بأن ذلك لم يكن لكونهم معجزين في الأرض ، بل إيمان المؤمن يتوقّف ولا يحصل إلّا بإذن إلهي ، فلو شاء الله لآمن من في الأرض ، وإذا لم يشأ الله ذلك منهم فلا تطمع في هديهم ، وتسلّ بما قدّره الله.
قوله سبحانه : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)
الإذن كما مرّ بيانه مرارا هو رفع المانع ، وإذا كان شيء من الأشياء لا يملك من نفسه وأفعاله شيئا فلا يترتّب فعل على فاعل ، ولا أثر على مؤثر ، وهذا مانع إلهي في جميع موارد ما يحكم به العقل ، أو يدركه الإدراك أنّ سببا ما يفعل فعلا ما فإذا ترتب أثر على مؤثّره ، أو فعل على فاعله فقد أذن الله ـ سبحانه ـ في أمره