وعند ذلك ربّما يختلف الحكمان ـ أعني حكم الفرد وحكم الاجتماع ـ فترى وصفا في الفرد ممدوحا بقياسه إليه ، مذموما بالقياس إلى النوع والأمّة أو بالعكس ، أو تجد الفرد مستحق الخير لسعادة في نفسه والأمّة لا تستحقه وبالعكس ، وهذه حقيقة ثابتة لا ينبغي الإرتياب فيها ، ولا يزال الإنسان يزيد اعترافا بهذه الحقيقة حينا بعد حين وعصرا بعد عصر.
ثمّ إنّك إذا تدبّرت كلامه تعالى وجدته يؤيد هذه الحقيقة ، ويعتني بشأنه اعتناء بالغا ، فكما أنّه بيّن للفرد صلاحه وفساده وما يتبعهما من سعادة وشقاء ، ثمّ جمع ذلك كلّه في مثل قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١). وقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٢) وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣) ، كذلك بيّن أنّ لكلّ أمّة موتا وحياة ، وسعادة وشقاء ، وأجلا وكتابا ، وصلاحا وفسادا إلى آخر الأحكام الفرديّة.
فقال تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وقال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (٤) وقال تعالى : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) (٥) وقال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (٦) وقال تعالى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) وقال تعالى : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ
__________________
(١). الأنعام (٦) : ١٦٤.
(٢). المدّثّر (٧٤) : ٣٨.
(٣). النجم (٥٣) : ٣٩.
(٤). الرعد (١٣) : ٣٨.
(٥). الجاثية (٤٥) : ٢٨.
(٦). الاسراء (١٧) : ٧١.
(٧). الرعد (١٣) : ٧.