قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ)
أنت إذا تصفّحت أحوال الإنسان ، وتأمّلت وأجلت الفكر إجالة جيّدة في هذا النوع ، وكذلك سائر الأنواع في هذا العالم الطبيعي ، وجدت كلّ فرد من أفراده ذا خواصّ وآثار وأحوال تكوينيّة وغير تكوينيّة وهو ظاهر ، وإذا تعّديت الفرد إلى الشعب والقبائل ، وبالجملة إلى الاجتماعات القوميّة ، وخاصّة الوحدات النسليّة والنسبيّة ، وجدت كلّ جامعة قوميّة كالجسم الفردي ذات خواصّ وآثار مختصّة بها متميّزة عن غيرها ، وهي مبادىء أخلاق وآداب ورسوم لا تتجاوزها إلى غيرها.
ولا ننسى مع ذلك أنّ للجهات الطبيعيّة من القطر والمحيط تأثيرا في ذلك ، وأنّ الأمر في جميع ذلك يدور على الغالب لا الدائم ، فالأحكام الغالبة في الاجتماعيات كليّات البتّة.
فهذه أمّة الصين ، وهذه أمّة الهند ، وهذه [أمّة] العرب ، وهذه أمّة العجم ، وهذه أمم الغرب تصدّق بوجودها ما ذكرناه ، وليست هذه الخصائص التكوينيّة في كلّ أمّة إلّا مستندة إلى وحدة حقيقيّة خارجيّة ، وطبيعة موجودة سارية في الأفراد هي المبدأ وهي السبب لتلك الخصائص الخلقيّة والخلقيّة ، والآثار الجسميّة والروحيّة ، وكذلك الحكم في الشعب الصغيرة المنشعبة من الأمم الكبار ، كالقبائل والبطون والأحياء حتّى ينتهي الأمر إلى الفرد ، ولازم ذلك أن يكون لكلّ اجتماع هويّة ذات آثار وأحكام ، نظير الفرد في كونه ذا هويّة صاحبة آثار وأحكام. نعم هذه الأحكام والآثار يتقدّر في كلّ منهما على حسب ما يناسبه ويقتضيه.