قلت : الإنسان نوع طبيعي ذا غاية طبيعية كما ذكرت ، لكنّه يستعمل بالطبيعة في غايات أفعاله الفكر ، فغايته المطلقة غاية فكرية وهو ظاهر ، فهو مفطور على طلب غاية لنفسه وتعيينه ، ومفطور على استعمال الفكر في هذا الطلب والتعيين فافهم ذلك.
فإن قلت : وجود حقائق في الخارج لا يستلزم كونها تحت التعاليم الدينية العلمية والعملية بحيث يكون نسبتها إلى الحقائق نسبة اللباس إلى المتلبّس ، ولو سلّمنا ذلك فلا نسلّم أنّ تلك ممكنة النيل قبل النشأة الآخرة في الحياة الدنيا ، ولو سلّمنا فلا نسلم أنها مبذولة ممكنة النيل لكلّ أحد بل موقوفة على الأنبياء وأوصيائهم ، أو مع عدّة معدودة من غيرهم سبقت لهم من الله سبحانه عناية وهبيّة.
قلت : قد مرّ بيان ذلك كلّه في تضاعيف الكلام في هذا التفسير ، كسورة الحمد وغيرها.
فإن قلت : امتثال التكاليف العامّة لا يوجب فعليّة الغاية على نحو ما ذكرت وإلّا لعمّت الولاية عامّة المؤمنين وليس كذلك فلا بدّ أن يكون إليه طريق خاص يسلكه جماعة دون جماعة ، وفيه على أنّ ذلك يوجب اختصاص الغاية للدعوة العامّة وهو فاسد ؛ [ل] أنّ التعاليم الدينية من الكتاب والسنّة خالية عن دستور خاص لطائفة خاصّة.
قلت : أمّا اختصاص فعليّة الغرض الأخير من الدعوة الإلهيّة ، وهو تكميل الإنسان بآخر درجة الكمال الإنساني الممكن ببعض دون بعض ، فلا مفرّ من الإلتزام به على أيّ حال ، وهو الحال في جميع التعاليم النوعية الموجودة في أيدينا المتداولة بين البشر أوجب ذلك اختلاف الطبائع وتفاوت القرائح ، وإنّما