مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (١) وقوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) (٢).
فعدل عن الدعوة إلى الغاية الحقيقية إلى الوعد بالجنّة والوعيد بالنار ، نظرا إلى أنّ جميع النفوس غير قابلة الورود بساحة الحقائق إلّا بالتطميع والترهيب.
وكيف كان ، فما عدّه القرآن غاية للإنسان هو العبادة ، وبالتأمل فيما مرّ من لزوم الحقيقية في الغاية تحدس أنّ هذه العبادة المعدودة غاية يجب أن تشتمل على حقيقة غاية الخلقة الإنسانية ، والحقائق التي ينبئ عنها القرآن بالإيماء تارة والتلويح أخرى ، فما يعدّه القرآن من مشاهدة الأنوار الإلهية من الجمال والجلال والتمكّن فيها ، والدخول في حظيرة القدس ومرافقة الصالحين ، والملائكة المقربين والأرواح الطاهرين ، وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، كلّ ذلك تحت هذه العبادة المندوب اليها بقوله تعالى : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٣).
وقد عرفت فيما مرّ معنى العبادة ، وهو أن ينصب العبد نفسه في مقام العبودية ، فيخضع بحقيقة الخضوع التي تنسيه نفسه ، فلا يبقى إلّا ربّه معبودا مذكورا ـ جلّت عظمته ـ ، فيشاهد كلّما يسعه مشاهدته.
فإن قلت : إذا كان الإنسان نوعا طبيعيا ذا غاية طبيعيّة حقيقيّة ، ومن الممتنع أن لا يطلب النوع الطبيعي غايته الطبيعية ، فأيّ حاجة ثم أيّ تأثير في دعوته إلى غاية هي العبادة؟
__________________
(١). الصف (٦١) : ١٠ ـ ١١.
(٢). البقرة (٢) : ٢٢١.
(٣). غافر (٤٠) : ١٤.