فهو يقول : إنا فرغنا عن تفصيل الآيات للمتذكرين ، وذلك حينما كانوا يتفكّرون فالتذكّر ، هو الإنتقال لمعرفة شيء بالتفكّر ، ثم يثبت لهم دار السلام ، لكن عند ربهم كما أثبت لهم الصدق والشهادة عند ربّهم بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١) ولم يقيّده بالآخرة فلو ساعدتهم العناية الربانية على نيله ـ وهم في الدنيا ـ لكانوا في دار السلام ، وقد صدّق سبحانه ذلك لهم لو أداموا ذكره ولم يستنكفوا عن عبادته ، قال سبحانه : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ* إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢).
فقوله : (إِنَّ الَّذِينَ) في مقام التعليل للأمر السابق ، وهو يقتضي كون هؤلاء الموصوفين بأنّهم عند ربّه ، إمّا هم الذاكرين ، وإمّا دخول الذاكرين في زمرتهم لو كانوا هم الملائكة ، وقد وصفهم بعدم الإستكبار وبالتسبيح والسجود لله سبحانه ، وقال سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (٣) (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (٤).
والآية تعطي استيعاب الذكر لأوقاتهم ، وليس قوله (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) قرينة على كون المراد بهم الملائكة نظرا إلى أنّ البشر مفطور على السأمة والعيّ ، فهو
__________________
(١). الحديد (٥٧) : ١٩.
(٢). الأعراف (٧) : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.
(٣). السجدة الواجبة.
(٤). فصلت (٤١) : ٣٧ ـ ٣٨.