وأن يعتقدوا أن ذلك الوعد القرآني قد مضى وانقضى وأن ما كتبه الله عليهم من ذلة ومسكنة وغضب وعذاب هو حقّ ومانع لكل إمكان لخلافه. وأن ما قد تيسّر لهم من نجاح في فلسطين في الوقت الحاضر هو عابر لامتحان المسلمين وحسب وأن الله محقق وعده وتقريره فيهم.
ولقد نبّه المفسرون إلى ماضي ما حكته الآيات من فرض الله تعالى التيه أربعين سنة على بني إسرائيل من عبرة اجتماعية. وهي كون الجيل الذي عاش حياة المسكنة والاستعباد في مصر قد فقد قوة الإقدام على النضال فقضت حكمة الله أن يبقى في الصحراء حتى يموت وينشأ جيل جديد ويكون قد عاش تلك الحياة. وهو تنبيه وجيه يصحّ أن يساق في معرض ما احتواه القرآن من عبر وحكم اجتماعية. وفيه من جهة وفي الفصل القرآني الذي نحن في صدده بعامة من جهة أخرى تلقين مستمر المدى للمسلمين بتجنب الموقف الذي وقفه بنو إسرائيل وحكاه القرآن حكاية متطابقة لما في أسفارهم من أمر الله ورسوله.
ولقد روى المفسرون ورواة الأحاديث موقفا يدلّ على ما كان لذلك التلقين من أثر في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث رووا أن المقداد بن الأسود وبعض أصحاب رسول الله حينما استشارهم النبي صلىاللهعليهوسلم في مناجزة قريش في يوم بدر أو في يوم الحديبية على اختلاف الروايات «لا نقول لك كما قال قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك وفي رواية بل نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون» فأشرق وجه النبي صلىاللهعليهوسلم وكان لهذا الموقف أثر كبير في ما تمّ للمسلمين تحت رايته من فتح ونصر في ذلك اليوم (١).
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ
__________________
(١) انظر التاج ج ٤ ص ٩٠ و ٣٦٦ وتفسير الآيات في الطبري وابن كثير وغيرهما وقد روى البخاري الحديث الذي فيه قول المقداد في سياق غزوة بدر. والذي نرجحه أن يكون ذلك في سياق غزوة الحديبية. وأن يكون التباس في الرواية لأن آيات المائدة لم تكن نزلت والله أعلم قبل وقعة بدر.