كتاب. وقد أوردنا نصّ هذه الرواية في سياق تفسير الآية [٥] من سورة المائدة. والقول بعدم أخذ الجزية من كتابيي العرب ينقضه ما هو مروي بطرق وثيقة من أخذ النبي صلىاللهعليهوسلم الجزية من نصارى نجران على ما شرحناه في سياق تفسير سورة آل عمران. والذي يتبادر لنا إلى هذا أن الأمر بقتال أهل الكتاب الموصوفين حتى يعطوا الجزية لا يعني حصر ذلك فيهم وأنه إنما جاء في سياق استنفار المسلمين إلى قتالهم وأن الرأي الذي يقول بجواز أخذها من الكفار إطلاقا عربا كانوا أم عجما وكتابيين كانوا أم مشركين ووثنيين وهو قول الإمام مالك هو الأوجه. ولقد روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتب إلى الحرب بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال وشريح بن عبد كلال أقيال ذي رعين ومعافر وهمدان في أنحاء اليمن يعرض عليهم الإسلام وإن أبوا فالجزية (١). وأنه كتب بمثل ذلك إلى أسد عمان من أهل البحرين (٢) وهؤلاء لم يكونوا أهل كتاب. وقد روي أنه حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن أمره بأن يأخذ من كل حالم من المعافر دينارا أو عدله (٣). وهذا جزية أيضا. وهؤلاء عرب. ولم يرو أحد أنهم كتابيون. وفي حديث بريدة الذي يرويه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والذي أوردناه في سياق تفسير سورة الكافرون إجازة نبوية بأخذ الجزية من أعداء المسلمين المشركين إذا أبوا الإسلام (٤) وفي كل هذا دليل على صحة هذا القول ووجاهته.
ولقد اختلفت الروايات والأقوال في مقدار الجزية ومن يجب عليهم دفعها من أهلها. وليس هناك نصوص نبويّة وراشدية صريحة باتّة في ذلك. وإنما هناك روايات عمّا فرضه النبي صلىاللهعليهوسلم حيث روي أنه فرض دينارا على كلّ حالم من المعافر (٥) وفرض على نصارى نجران ألفي حلّة في السنة (٦) وفرض على أهل جربا
__________________
(١) كتاب الأموال ص ٢٧.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) كتاب الأموال ص ٢٦.
(٤) انظر الحديث في التاج ج ٤ ص ٣٢٧.
(٥) كتاب الأموال ص ٢٦.
(٦) ابن سعد ج ٢ ص ١٢٠.