تعليق على الآية
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) وما فيها من أحكام وتلقين
في الآية حكاية لسؤال وجوابه. والجواب ينطوي على تعميم وتخصيص. فقد حكت أن أناسا سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم عما أحلّ لهم. وأمرت بتبليغ السائلين وبالتبعية جميع المسلمين بأن الله قد أحلّ لهم كلّ طيب بصورة عامة. وبأنه قد أحلّ لهم أكل الصيد الذي تمسكه الجوارح المعلّمة على أن يذكر اسم الله عليه. مع التنبيه إلى وجوب تقوى الله والتيقّن من سرعة حسابه على أعمالهم تنبيها ينطوي على الإنذار أو التحذير من مخالفة أوامر الله.
ولقد تعددت الأقوال في صرف جملة (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) (١) فقيل إنها بمعنى اذكروا اسم الله حينما ترسلون الجوارح المعلّمة لإمساك الصيد حتى إذا أتت بها ميتة جاز لكم أكلها. وقيل إنها بمعنى اذكروا اسم الله حينما تأكلونه. وقيل إنها بمعنى اذكروا اسم الله عليه حينما تذبحونه بعد إمساكه. وأوجه الأقوال هو الأول لأن حكم ما يموت بنهش السبع ـ والجوارح من السباع ـ قد تقدم ولأنه إذا لم يمت المنهوش وذكي حلّ أكله إطلاقا فلا يكون هناك حاجة إلى رخصة جديدة.
ولقد روى المفسرون عدة روايات في مناسبة نزول الآية. منها أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر بقتل الكلاب فجاءه بعض المسلمين يسألونه عما يحلّ لهم اقتناؤه منها. ومنها أن بعض مسلمي البادية سألوه عن حكم ما تصيده جوارحهم المعلمة. وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح.
والآية صريحة بأنها نزلت جوابا على سؤال. ومن المحتمل أن تكون إحدى الروايتين أو كلتاهما صحيحة. كما أن من المحتمل أن يكون السؤال وقع بمناسبة ما احتوته الآية السابقة من بيان حل الحالات المحرمة أولا وما يموت من نهش السباع التي منها الجوارح ثانيا. ونحن نرجح هذا الاحتمال كمناسبة مباشرة للآية لأنه متسق مع محتوياتها ومع سياقها. ومن المحتمل أن يكون السؤال قد وقع عقب
__________________
(١) انظر الطبري والبغوي والطبرسي وابن كثير والخازن.