روى الخازن رواية في نزول الآية الأولى ورد صيغة مقاربة لها في سنن أبي داود عن أبي هريرة بهذا النص «إن رجلا كان يسبّ أبا بكر بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم فصمت عنه أبو بكر ثم آذاه الثانية فصمت عنه ثم آذاه الثالثة فانتصر منه فقام رسول الله فقال أبو بكر أوجدت عليّ يا رسول الله. قال نزل ملك من السماء يكذّبه بما قال لك فلما انتصرت وقع الشيطان فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان» (١).
ويلحظ أن في الآية تبريرا لانتصار أبي بكر لنفسه في حين أن الحديث يذكر عدم رضاء النبي عن ذلك وأن الآية الثانية هي متممة للأولى ومنسجمة معها وهذا يسوغ الترجيح نزولهما معا. فإذا فرضنا أن حادث أبي بكر كان سبب نزولهما وليس نزول الآية الأولى فقط فإن الملاحظة الأولى تبقى واردة. إلا أن يقال إن حكمة التنزيل اقتضت تبرير موقف أبي بكر ثم اقتضت ردف ذلك التبرير بالحث على العفو. ومهما يكن من أمر فيصح القول إن الآيتين نزلتا في حادث سوء جهر به شخص ما. ولا ينفي هذا أن يكون هو الحادث الذي ذكر في الحديث والله أعلم.
وقد جاءت الآيات بأسلوب مطلق عام لتكون عامة مستمرة المدى في ما احتوته من تعليم وتأديب وعظة وتلقين بما مفاده :
(١) إن الجهر بالسوء مهما كان. وسواء أكان بذاءة أو شتيمة أم تعريضا أم تحريضا أم تقريعا أم سخرية أم استهتارا أم إشاعة فاحشة وشيوع ذلك بين المسلمين شيء قبيح لا يحبه الله تعالى.
(٢) ويستثنى من ذلك المظلوم الذي يقول ما يقول ردا على المعتدي عليه بدءا.
(٣) ومع ذلك فعفو المسلمين عن بعضهم خير مستحب وفيه اقتداء بالله عزوجل الذي يعفو عن الناس ويسع حلمه ما يبدو منهم من مواقف فيها سوء أدب وجحود مع قدرته على البطش والانتقام. وليعلموا أن الله يعلم كل ما يصدر منهم
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ٤٧ ومعنى فانتصر منه أي ردّ على مؤذيه بالمثل مدافعا عن نفسه.