(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) يبدأ التهديد ملفوفا لكنه مخيف. (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) فهم مكشوفون لعين الله تعالى وعلمه. والاقلام تكتب والمسجلة تسجل كل حركة ولفظة حتى خطرات القلوب وأسرارها. فهم مأخوذون بما يلحدون مهما غالطوا وأخفوا خلاف ما يظهرون. وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله وعلمه كما قد يفلتون بالمغالطة من حساب الناس.
ثم يصرح بالتهديد (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ) وهو تعريض بهم وبما ينتظرهم من عذاب النار. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ ..) والنص يتحدث عن الذين كفروا بالذكر. لا غير. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) كأنما يقال أن فعلتهم لا يوجد وصفا ينطبق عليها لشدة بشاعتها.
(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ ...) وأنى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب وهو صادر عن مصدر الحق ـ الحكيم الحميد ـ ويصدع بالحق. ويتصل بالحق الذي تقوم عليه السموات والارض. وهو محفوظ بأمر خالقه العظيم. الذي تكفل بحفظه.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فالمتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل ليقرأه ويجده في روحه. ويجده في نصه. يجده في بساطة ويسر. حقا مطمئنا فطريا. يخاطب أعماق الفطرة. ويطبعها ويؤثر فيها التأثير العجيب (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) والحكمة ظاهرة في بنائه. وفي توجيهه. وفي طريقة نزوله. وفي علاجه للقلب البشري من أقصر الطرق. والله الذي نزله خليق بالحمد. وفي القرآن المجيد ما يستجيش القلب لحمده.
(ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ