خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥))
البيان : في هذا الافتتاح يقرر اختلاف الطبيعتين ، بين الصلصال ـ وهو الطين اليابس ـ والنار الموسومة بانها شعواء سامة : نار السموم وفيما بعد سنعلم أن طبيعة الانسان قد دخل فيها عنصر جديد : هو النفخة من روح الله عزوجل. اما طبيعة الشيطان فبقيت من نار السموم.
فأما كيف ارتقى هذا الدين من طبيعته الاولى الى أفق الحياة العضوية. والى أفق الحياة الانسانية اخيرا. فهنا السر الذي يعجز عن تعليله البشر أجمعون. وما يزال سر الحياة في الخلية الاولى ـ على حسب نظرية النشوء والارتقاء كما يزعمه بعضهم ـ خافية لا يزعم أحد أنه اهتدى اليها.
فأما سر الحياة الانسانية العليا بما فيها من مدارك واشراقات وطاقات متميزة على الخلائق الحيوانية جميعا ، تفوقا حاسما فاصلا ، فلا تزال النظريات تخبط حوله ، على حين يفسره لنا القرآن المجيد التفسير المجمل (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) فهي نفخة من روح الله تنقل هذا التكوين العضوي الوضيع الى ذلك الافق الانساني الرفيع.
هذه النفخة التي تصله بالملأ الاعلى ، وتجعله أهلا للاتصال بخالقه العظيم ـ من حيث الطهارة والقدسية ـ نطاق التجريدي الذي تتعامل فيه القلوب والعقول. والتي تمنحه ذلك السر الخفي الذي يسرب به