والمشهد الثاني مشهد الليل والنهار متعاقبين هذا يغشى ذاك في انتظام عجيب ، هو ذاته مثار تأمل في مشاهد الطبيعة. فقدوم الليل وأدبار النهار. أو اشراق فجر وانقشاع ليل ، حادث تهون الالفة من وقعه في الحس. ولكنه في ذاته عجب من الاعاجيب ، لمن ينفض عنه موات الالفة. وخمودها ، ويتلقاه بحس المتجدد ، الذي لم يجمد التكرار. والنظام الدقيق الذي لا تتخلف معه دورة الفلك هو بذاته كذلك مثار التأمل في ناموس هذا الكون. وتفكير في القدرة المبدعة. التي تدبره وترعاه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
ثم تمضي الريشة المبدعة في تخطيط وجه الارض بخطوط جزئية أدق من الخطوط العريضة :
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وهذه المشاهد الارضية والكثيرون الذين يمرون عليها فلا تثير فيهم حتى رغبة التطلع اليها الا أن ترجع النفس الى حيوية الفطرة والاتصال بالكون الذي هي قطعة منه انفصلت عنه لتتأمله ثم تندمج فيه (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) متعددة الثتات ، والا لما تبين انها متعددة. منها الطيب الخصب. ومنها السبخ النكد. ومنها المقفر الجدب. ومنها الصخر الصلد. وكل واحد من هذه وتلك ابداع وألوان ودرجات ، ومنها العامر والغامر. ومنها المزروع والمغروس والمهمل والميت ومنها الريان والعطشان ، وهي كلها أرض متجاورة.
هذه اللمسة العريضة الاولى في التخطيط التفصيلي ثم تتبعها تفصيلات (وَجَنَّاتٌ ..) (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) فمن غير الخالق المدبر المريد يفعل هذا وذاك.