الآصرة هنا لأن من شأنها ان تقوم الثقة والتعاطف والتناصح بين الاخ واخوته. وليبدو موقف القوم من اخيهم ونبيهم شاذا ومستقبحا .. فالدعوة تبدأ والرسول وقومه من امة واحدة. ثم تنتهي بالافتراق وتصبح امتين مختلفتين من القوم الواحد. امة مسلمة. وامة كافرة مشركة.
ويبادر هود ليوضح لقومه انها دعوة خالصة ونصيحة ممحضة. فليس له من ورائها هدف وما يطلب على النصح والهداية اجرا. انما اجره على الذي خلقه فهو به كفيل (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) : لقد بلغ بهم الانحراف في نفوسهم والتضليل منهم الى توجه هذه التهمة الى هود. ويتبرأ هو من آلهتهم وما يعبدون من دون الله. (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ). (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) انها انتفاضة التبرءة مما يعبدون وهو يشهد الله ربه على براءته من قومه الضالين وابدى الانفصال عنهم واعتزالهم.
وذلك كله مع عزة الايمان واستعلائه. ومع ثقة الايمان واطمئنانه ان الانسان ليدهش لرجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا حمقى .. يبلغ بهم الجهل ان يعتقدوا ان هذه الاصنام تسييء وتضر. ان الانسان ليدهش لرجل فرد يقتحم هذا الاقتحام على قوم غلاظ. ولكن الدهشة تزول عندما يتدبر العوامل والاسباب .. انه الايمان والثقة بالله العظيم. الذي اذا قال للشيء كن فيكون. فاذا وعد عبده بالنصر حقيقة اصبح النصر محققا فلا يخالجه خوف ولا رعب. ان هذه الحقيقة التي يجدها صاحب الدعوة في نفسه لا تدع في قلبه مجالا للشك ولا مجال للتردد عن المضي في طريقه. انها حقيقة الالوهية كما تتجلّى في قلوب الصفوة المؤمننة. ابدا. وعند هذا الحد من التحدي بقوة الله وابراز هذه القوة في صورتها القاهرة (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)