واما الليلة التي نزل فيها ، وهي ليلة القدر ، فقد اختلفوا فيها وربما يظهر من بعض الروايات والادعية التي وردت في جملة من الليالي انها متعددة ، فقد يظهر من بعض الروايات ان ليلة النصف من شعبان تقدر فيها الامور ومن بعضها ان ليلة تسع عشرة من رمضان تقدر فيها الامور بل قد عرفت اختلاف المراتب في تفريق الامور تقديرا وامضاء وابراما وانها توزع على الليالي الثلاث ، ومن بعضها يظهر ان افضل الليالي في السنة ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان ، وهي ليلة الجهني ، فقد يستفاد منه ان هذه الليلة هي ليلة القدر.
والتحقيق في ذلك ان الليلة التي نزل فيها القرآن هي الليلة التي استشهد فيها علي بن ابي طالب عليهالسلام وهي ليلة احدى وعشرين من شهر الله الاعظم ، دل على ذلك صحيح علي بن ابي حمزة الثمالي المروي في الكافي ولكن ذلك لا ينافي تعدد ليالي القدر التي فيها تقدر الأمور ، اذ قد عرفت من الأخبار المتقدمة ان تقدير الامور انما هو على الترتيب ، ففي ليلة تسعة عشر يكون التقدير وفي ليلة احدى وعشرين القضاء وفي ليلة ثلاث وعشرين الابرام.
ويبقى الكلام في سر اختلاف مراتب التفريق والتقدير وعدم منافاة ما ذكر مع جفاف القلم ، فنقول : ان عناية الله تعالى بعباده اوجب المنة عليهم بالانعام والتكرم عليهم بالاحسان فأفاض عليهم النعم ووعوهم باكثارها بالشكر بما له من المصاديق الكثيرة من التلفظ بالحمد الى صرف النعم في المشاريع المقررة لها شرعا ، وامرهم بالدعاء زيادة للبركة وتوفيرا للنعمة ، ولما كانت النعم في معرض الزوال بسبب الطغيان والعصيان ، وكانت الغرائز البهيمية والسبعية تؤهل الانسان لقبول وساوس الشيطان المؤدية الى الوقوع في ورطة الذنوب ، فتح الله سبحانه على المذنبين ابوابا من المغفرة والرضوان ومن التوبة والتضرع اليه تعالى وجبران المعاصي ورد مظالم العباد اليهم وقضاء ما فات من العبادات واداء الحقوق