فلما كان يوم بدر وعرف الله تعالى حرج المسلمين أنزل الله تعالى على نبيه : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)، فلما قوي الاسلام وكثر المسلمون أنزل الله ولا تهنوا وتدعوا الى السلم وانتم الاعلون والله معكم ولن يتركم اعمالكم ، فنسخت هذه الاية التي أذن لهم فيها ان يحتجوا ثم انزل سبحانه في آخر السورة : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) الى آخر الاية. ومن ذلك ان الله تعالى فرض القتال على الامة فجعل على الرجل الواحد ان يقاتل المشركين فقال : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الى آخر الاية. ثم نسخها سبحانه فقال : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الى آخر الاية فنسخ بهذه الاية ما قبلها فصار من فر من المؤمنين في الحرب فان كانت عدة المشركين اكثر من رجلين لرجل لم يكن فارا من الزحف وان كان العدة رجلين لرجل كان فارا من الزحف وقال (ع) ومن ذلك نوع آخر وهو ان رسول الله (ص) لما هاجر الى المدينة آخى بين اصحابه من المهاجرين والانصار جعل المواريث على الاخوة في الدين لا في ميراث الارحام وذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) اولئك بعضهم أولياء بعض الى قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا)، فاخرج الاقارب من الميراث واثبته لاهل الهجرة واهل الدين خاصة ، ثم عطف بالقول فقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ). فكان من مات من المسلمين يصير ميراثه وتركته لأخيه في الدين دون القرابة والرحم الوشيجة فلما قوي في الاسلام انزل الله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)، فهذا المعنى نسخ آية الميراث ، ومنه وجه آخر وهو ان رسول الله (ص) لما بعث كانت الصلاة الى قبلة بيت المقدس سنة بني اسرائيل