وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً).
فلما كثر المسلمون وقوي الاسلام واستوحشوا امور الجاهلية انزل الله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) الى آخر الاية فنسخت هذه الاية اية الحبس والاذى.
ومن ذلك ان العدة كانت في الجاهلية على المرأة سنة كاملة وكان اذا مات الرجل القت المرأة خلف ظهرها شيئا بعرة وما جرى مجراها ثم قالت : البعل أهون من هذه فلا اكتحل ولا امتشط ولا اتطيب ولا اتزوج سنة فكانوا لا يخرجون من بيتها بل يجرون عليها من تركة من زوجها سنة ، فانزل الله تعالى في أول الاسلام : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) الى آخر الاية.
ومن ذلك ان الله تبارك وتعالى لما بعث لمحمد (ص) أمره في بدو امره أن يدعو بالدعوة فقط وأنزل عليه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً)، فبعثه الله تعالى بالدعوة فقط وأمره ان لا يؤذيهم فلما ارادوه بما هموا به من تبييت أمره الله تعالى بالهجرة وفرض عليه القتال فقال سبحانه : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، فلما أمر الناس بالحرب جزعوا وخافوا فانزل الله تعالى (١) : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ)، الى قوله سبحانه : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) فنسخت آية القتال آية الكف
__________________
(١) النساء / ٧٦ ي.