وقد اخبرنا الله بما قصه في ذكر موسى (ع) أن يجعل بيته قبلة وهو قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، وكان رسول الله (ص) في أول مبعثه يصلي الى بيت المقدس جميع ايام مقامه بمكة وبعد هجرته الى المدينة بأشهر ، فعيرته اليهود وقالوا انت تابع لقبلتنا فأحزن رسول الله (ص) ذلك منهم فأنزل الله تعالى عليه وهو يقلب وجهه في السماء وينتظر الامر : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة ـ يعني اليهود في هذا الموضع ، ثم اخبرنا الله عزوجل ما العلة التي من أجلها لم يحول قبلته من اول مبعثه فقال تبارك وتعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)، فسمى سبحانه الصلاة ههنا ايمانا ، وهذا دليل واضح على ان كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق كما لا يشبه أفعاله أفعالهم ، ولهذه العلة واشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله وتأويله الا نبيه (ص) واوصياؤه.
ومن الناسخ ما كان مثبتا في التوراة من الفرائض في القصاص ، وهو قوله : وكتبنا عليهم فيها (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)، الى آخر الاية ، فكان الذكر والانثى والحر والعبد شرعا سواء ، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) فنسخت هذه الاية : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ).
ومن الناسخ أيضا أمور غليظة كانت على بني اسرائيل في الفرائض فوضع الله تعالى تلك الآصار عنهم وعن هذه الامة فقال سبحانه : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ)، ومنه أنه تعالى لما فرض الصيام