فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضا غير متلو ، ولا أعلم له نظيرا (١).
الضرب الثاني : ما نسخ حكمه دون تلاوته ، وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة وهو على الحقيقة قليل جدا وان أكثر الناس من تعديد الآيات فيه فان المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه ، والذي أقوله ان الذي أورده المكثرون أقسام ، قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه ، وذلك مثل قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)، «وأنفقوا مما رزقناكم» ونحو ذلك .. قالوا انه منسوخ بآية الزكاة وليس كذلك بل هو باق.
اما الاولى فانها خبر في معرض الثناء عليهم بالانفاق ، وذلك يصلح أن يفسر بالزكاة وبالانفاق على الاهل وبالانفاق في الامور المندبة كالاعانة والاضافة ، وليس في الاية ما يدل على انها نفقة واجبة غير الزكاة .. والاية الثانية يصلح حملها على الزكاة ، وقد فسرت بذلك.
وكذا قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)، قيل انها مما نسخ بآية السيف وليس كذلك ، لانه تعالى أحكم الحاكمين ابدا لا يقبل هذا الكلام والنسخ وان كان الامر بالتفويض وترك المعاقبة ، وقوله في البقرة : وقولوا للناس حسنا ، عده بعضهم من المنسوخ بآية السيف ، وقد غلطه ابن الحصار بأن الاية حكاية عما أخذه على بني اسرائيل من الميثاق فهو خبر ، فلا نسخ فيه ، وقس على ذلك ..
__________________
(١) ذكرنا في باب الرضاع أن قول المعصوم عليهالسلام : كان يقال عشر رضعات : محمول على التقية بقرينة أن هذا هو قول العامة ، والشاهد على صدق قولنا ما ترى من أن عائشة أسندت عشر رضعات الى القرآن ، ثم لم تقتنع حتى اكتفت في الرضاع المحرم الى خمس رضعات وقد اخذنا بموثقة زياد بن سوقة الدالة على أن العدد المحرم خمس عشرة رضعة ، ومن العجيب ما عن بعض من المصير الى العشرة وطرح خمسة عشر رضعة.