ضرب ايذاء وظلم ، فهو قبيح لا محالة ، ولكن ضربه للتأديب حسن ونحن اذ نقبل ذلك نقول بان السر في انقلاب الحكم في نظير المثال المذكور انما هو لعروض عنوان حسا على الفعل يكون اولى مطابقة لعنوان العدل من أصل الفعل فالانقلاب في الحقيقة موضوعي وليس بحكمي فقط ، وتوضيح ذلك ان العدل وهو الاستواء حسا وله عنوان عام ذو مصاديق غير محصورة بمقدار الموجودات ، فالعدل قابل للانطباق على النظام الكوني من الذرة الى الذروة ، وكذا ما يقابله من الظلم وهو التجاوز عن الاستواء وله مصاديق عديدة ، فالعدل في نظام الشمس اشراقها ، والظلم وهو التعدي عن الاستواء تكويرها ، والعدل في المجموعة العلوية التصاق اجزاء كل موجود علوي فيها بعضها ببعض مع حفظ مقدار نور كل واحد منها ومقدار بعد كل عن الاخر فانفطارها وتفتت اجزاءها كالعهن المنفوش انما هو خلاف عدلها الكوني ونظامها الوجودي ، وهذا المقياس موجود في كل شيء ماديا كان او معنويا ، فالعدل في المزاج انما هو استواء نسبة كل عنصر من العناصر الموجودة في البدن مع الاخر وفقا للخلقة الالهية المتقنة ، وان شئت عبرت بتعبير القدماء من التعادل بين الاخلاط الاربعة ، بحيث لو زاد خلط ونقص آخر لانحرف المزاج وزال العدل وافضى ذلك الى الموت ، وصح للسعدي ان يقول :
جون يكى جهار شد (١) غالب |
|
جان شيرين برآيد از قالب |
والعدل في الاخلاق انما هو بتنظيم الغرائز البهيمية والسبعية والانسانية ، والظلم فيها انحرافها عن الاستواء بالانخفاض او الارتفاع غير الموزونين ، فالعدل في القوة السبعية شجاعة ، وانحرافها النزولي جبن ، وانحرافها الصعودي تهور ، وحينذاك تقول بأن ضربة اليتيم انحراف عن الحقوق البشرية والحدود النظامية ، لانه تصرف فيما ليس
__________________
(١) الاخلاط الاربعة : الصفراء ـ السوداء ـ البلغم ـ الدم.