والحاجبي وجماعة برفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر ، ولما كان الغرض من التعريف المذكور هو المعرفة بالنسخ بمقدار الحاجة ، لم نر فائدة في البحث عن طرده وعكسه فهنا مطالب.
المطلب الاول
هل يجوز نسخ شريعة بتشريع شريعة أخرى أم لا؟
الحق انه نعم يجوز ، وخالف اليهود في ذلك وقالوا ان شريعة موسى عليهالسلام خالدة غير منسوخة ، ولا ينبغي الشك في انهم لا يقولون بالاستحالة العقلية ، كيف وهي تستلزم القول ، بعدم مشروعية دين موسى الناسخ للاديان السابقة له ، وانما ذهبوا الى ذلك افتراء على موسى بأنه قال : شريعتي مؤبدة ، اذ العكس صحيح ومأثور عنه وهو البشارة بنبوة محمد ص وآله كما في التوراة وانجيل برنابا من بشارة عيسى عليهالسلام ايضا بمجيء نبي من بعده اسمه احمد ص وآله.
والتحقيق في باب نسخ الاديان ان الاديان عبارة عن مدارس تدريجية بحيث تكون كل مدرسة مكملة للاخرى الى ان وصل الدور الى آخر مدرسة الهية صح في موردها نزول قول الله العظيم (١) : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، وعلى هذا فيكون كل نبي مكملا ومتمما لما اتى به النبي السابق.
ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى (١) : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)، وقوله تعالى (٢) : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)، وقوله تعالى (٣) : (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً)، وهذه الايات تدل على ان
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ٤.
(٢) سورة الشورى ، الآية ١٣.
(٣) سورة البينة ، الآية ٥.