فالبحث اما كلامي ، ان نظرنا الى بعض أدلة المانعين من أن الحسن حسن دائما والقبيح قبيح دائما ، واما اصولي ، ان نظرنا الى احتجاج المانعين بان القرآن قطعي وخبر الواحد ظني ولا يعارض الظني القطعي.
وكيف كان فقد أطال علماء الاسلام في البحث عن النسخ ، ونحن نقتفي آثارهم في الجملة.
قد وقع الخلاف في جواز نسخ الكتاب عقلا وسمعا ، وقبل الدخول في صميم البحث نقول : النسخ لغة عبارة عن الازالة والابطال والاعدام ، تقول : نسخت الشمس الظل ، يعني ازالته ، وتقول : نسخت الرياح آثار القدم ، يعني أزالتها ، ويراد من النسخ أيضا النقل والتحويل ، تقول : نسخت الكتاب أي نقلت كلما فيه (وتطبيق النقل على كتابة المثل مجاز عقلي) ، ونسخت النحل من خلية الى أخرى يعني حولتها من مكان الى آخر ، وبهذا المعنى يطلق النسخ على انتقال الارث من وارث الى آخر لموت بعض الورثة قبل تقسيم الميراث ويعبر عن ذلك بالمناسخات ، وبهذا المعنى ايضا يقال تناسخ الارواح ، يعني نقل الروح وتحويلها من بدن الى آخر.
واختلف اللغويون في ان المعنى الحقيقي للنسخ هل هو الازالة ، كما عن الجوهري والمطرزي والفيروز ابادي ان اول المعاني الازالة ، او هو النقل ومجاز في الازالة كما عن القفال وابن فارس وفيومي صاحب مصباح المنير ، او هو مشترك معنوي بينهما كما عن الامدى الميل اليه ، حيث قال ان الاشتراك اشبه. ان لم يوجد في حقيقة النقل خصوص لا تبدل صفة وجودية ، ثم انه توقف جماعة في ما وضع له النسخ لغة ، والمشهور انه الازالة ، وتبعهم على ذلك العلامة وابو الحسن البصري.
والتحقيق : اما من حيث الحكم فالمدار في باب الاخذ بمراد المتكلم هو الظهور العرفي سواء كان مستندا الى الوضع او كان مستندا الى القرائن الكلامية ، واما من حيث الموضوع له النسخ فلا بد وان