في نموذج صاحب الجنتين ، نجد نفسا ممتلئة بالبطر والغرور والتكبر وما ينتج منها من نسيان الله ، وظلم الانسان نفسه.
انه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء ان القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم في الملأ الاعلى ، فماداموا يستعلون على أهل هذه الارض ويستطيلون ، فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ ..
فأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر ، ولا جنة عنده ولا ثمر ، فانه معتز بما هو أبقى وأعلى ، معتز بعقيدته وايمانه ، معتز بالله الذي تعنو له الجباه ، فهو يجبه صاحبه المتبطر المغرور منكرا عليه بطره وكبره ، ويذكره بمنشأه المهين من ماء وطين ، ويوجهه الى الادب الواجب في حق المنعم ، وينذره عاقبة البطر والكبر ، ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار.
ونلاحظ في هذا النموذج المثالي .. كيف تنتفض عزة الايمان في النفس المؤمنة ، فلا تبالي بالمال والنفر ، ولا تداري الغنى والبطر ، ولا تتلعثم في الحق ، ولا تجامل فيه الاصحاب ..
وهكذا يستشعر المؤمن انه عزيز امام الجاه والمال ، وان ما عند الله خير من أعراض الحياة ، وان فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله ، وان نقمة الله جبارة وانها وشيكة ان تصيب الغافلين المتبطرين.
وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار ، الى مشهد الدمار والبوار ، ومن هيئة البطر والاستكبار الى هيئة الندم والاستغفار ، فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن.
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها ، وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ، وَيَقُولُ : يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً).
ومع انه لم يصرح الرجل بكلمة الشرك الا ان اعتزازه بقيمة اخرى